للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: أي إنا مخرجو (١) الناقة من الهضبة التي طلبوا من نبيّهم بعثها منها لتكون آية لهم، وحجة على صدقه في ادعائه النبوة، وتكون فتنة واختبارًا لهم أيؤمنون بالله، ويتبعونه فيما أمرهم به من توحيد؟ أم يكذّبونه ويكفرون به، فانتظر ماذا يفعلون، وأبصر ماذا يصنعون، واصبر على أذاهم، ولا تعجل حتى يأتي أمر الله؛ فإن الله ناصرك، ومهلك عدوك، وأخبرهم أن ماء بئرهم مقسوم بينهم وبين الناقة لها يوم، ولهم يوم. كل حصة منه يحضر صاحبها ليأخذها في نوبته، فتحضر الناقة تارةً، ويحضرون هم أخرى. وقد جعلت القسمة على هذا الوجه لمنع الضرر؛ لأن حيوان القوم كانت تنفر منها, ولا ترد الماء وهي عليه، فصعب ذلك عليهم فملوا من هذه القسمة، وأرادوا الخلاص منها.

٢٩ - {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ}؛ أي: نادى ثمود صاحبهم. وهو قدار بن سالف عاقر الناقة، ورعوه ليعقر الناقة. وكان أشدّهم، وحضوه على عقرها، فلبى طلبهم. {فَتَعَاطَى}؛ أي: تناول الناقة بالعقر {فَعَقَرَ} ها، أو اجترأ على تعاطي أسباب العقر، فعقر. قال محمد بن إسحاق: كمن لها في أصل شجرة على طريقها, فرماها بسهم، انتظم به عضلة ساقها، ثم شد عليها بالسيف، فكسر عرقوبها ثم نحرها. والتعاطي (٢): تناول الشيء بتكلف، وما يتكلف فيه لا بُدَّ أن يكون أمرًا هائلًا، لا يباشره أحد إلا بالجراءة عليه. فالتعاطي مجاز عن الاجتراء.

وبهذا المجاز يظهر وجه التعقيب بالفاء في {فَعَقَرَ}، وإلا فالعقر لا يتفرع على نفس مباشرة القتل، والخوض فيه. يقال: عقر البعير والفرس بالسيف فانعقر؛ أي: ضرب به قوائمه، وبابه ضرب كما سيأتي.

والمعنى: فاجترأ صاحبهم قدار بن سالف على تعاطي الأمر العظيم غير مكترث له، فأحدث العقر بالناقة. وقدار بن سالف - بضم القاف وبالدال المهملة - وهو مشؤوم آل ثمور, ولذا كانت العرب تسمى الجزّار قدارًا تشبيهًا له بقدار بن سالف. لأنّه كان عاقر الناقة، وكان قصيرًا شرّيرًا، أزرق، أشقر، أحمر. وكان يلقب بأحيمر ثمود، تصغير أحمر.


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.