١١٢ - {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ}؛ أي: جعلت الذلة والصغار والهوان على اليهود، بأن يحاربوا ويقتلوا وتغنم أموالهم، وتسبى ذراريهم، وتملك أراضيهم، وقيل: الذلة ضرب الجزية عليهم؛ لأنها ذلة وصغار، وقيل: ذلتهم أنك لا ترى في اليهود ملكًا قاهرًا، ولا رئيسًا معتبرًا، بل هم مستضعفون في جميع البلاد، {أَيْنَ مَا ثُقِفُوا}؛ أي: حيثما وجدوا وصودفوا؛ فلا يقدرون أن يقوموا مع المؤمنين {إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ}: أي؛ إلا بعهد من الله، وهو أن يسلموا؛ فتزول عنهم الذلة {وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ}؛ أي: أو بعهد من المؤمنين ببذل الجزية، والمعنى: ضربت عليهم الذلة في جميع الأحوال إلا في حال اعتصامهم بحبل الله، وحبل الناس، وهو ذمة الله، وعهده، وذمة المسلمين وعهدهم، لا عز لهم أبدًا إلا في هذه الحالة الواحدة، وهي التجاؤهم إلى الذمة لما قبلوه من بذل الجزية وإنما سمي العهد حبلًا؛ لأنه سبب يوصل إلى الأمن، وزوال الخوف.
{وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ}؛ أي: استوجبوا، واستحقوا غضبًا من الله، ولعنة منه، وغضب الله تعالى ذمه إياهم في الدنيا، وعقوبته لهم في الآخرة {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ} كما يضرب البيت على أهله، فهم ساكنون في المسكنة غير خارجين منها، يعني: جعل عليهم زي الفقر، واليهود في غالب الأحوال مساكين، تحت أيدي المسلمين والنصارى. فاليهودي، وإن كان غنيا موسرًا يظهر من نفسه الفقر. {ذَلِكَ} المذكور من ضرب الذلة، والمسكنة، وغضب الله {بِأَنَّهُمْ}؛ أي: بسبب أنهم {كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ}؛ أي: ينكرون آيات الله الناطقة بنبوة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - يحرفونها، وسائر الآيات القرآنية {وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ}؛ أي: بلا جرم، فإن الذين قتلوا الأنبياء، أسلافهم، وهؤلاء المتأخرون كانوا راضين بفعل أسلافهم، فنسب إليهم، كما أن التحريف من أفعال أحبارهم، ينسب إلى كل من يتبعهم، والتقييد بغير حق، مع أنه كذلك في نفس الأمر للدلالة على أنه لم يكن حقًّا بحسب اعتقادهم أيضًا، وللتشنيع عليهم، وللدلالة على أن ذلك حدث منهم عن عمد لا عن خطأ {ذَلِكَ} الكفر والقتل {بِمَا عَصَوْا}؛ أي: بسبب كثرة عصيانهم، ومخالفتهم لأوامر الله تعالى، وغشيانهم لمعاصي الله، كالاصطياد في يوم السبت مثلًا {و} بما {كانوا يعتدون}؛ أي: يتجاوزون