روى مقاتل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال حين قدم المدينة: "لا تجالسوهم ولا تكلموهم. قال أهل المعاني: إن هؤلاء المنافقين طلبوا إعراض الصفح فأعطوا إعراض المقت. ثم ذكر العلة في سبب الإعراض عنهم فقال:{إنَّهُمْ رِجْسٌ}؛ أي: إن بواطنهم خبيثة نجسة، وأعمالهم قبيحة؛ أي: إن في نفوسهم قذرًا معنويًّا يجب الاحتراس منه؛ خوف سريان عدواه وميل النفوس إليه، كما يحترز صاحب الثوب النظيف من الأقذار الحسية التي ربما تصيبه، إذا لم يحتط لها، {وَمَأْوَاهُمْ}؛ أي: ومسكنهم في الآخرة {جَهَنَّمُ} ومصيرهم النار، يعني: وكفتْهم النارُ عتابًا وتوبيخًا، فلا تتكلفوا عتابهم {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} في الدنيا من الأعمال الخبيثة؛ أي: يجزون بها جزاء كسبهم، وهذا من تمام التعليل، فإن من كان من أهل النار .. لا يجدى فيه الدعاء إلى الخير؛ أي: ومرجعهم الأخير نار جهنم؛ جزاء لهم بما كسبوا في الدنيا من أعمال النفاق وغيرها، مما دنس نفوسهم، وزادهم رجسًا على رجسهم.
٩٦ - ثم زاد في تأكيد نفاقهم فقال:{يَحْلِفُونَ لَكُمْ} أي يحلف لكم هؤلاء المنافقون {لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ} بالحلف، وتستديموا معاملتهم بظاهر إسلامهم، وهذا أهم الأغراض لديهم، فلا حظّ لهم من إظهار الإِسلام سواه، ولو كان إسلامهم عن يقين واعتقاد .. لكان غرضهم الأول، إرضاء الله ورسوله. {فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ}؛ أي: فإن رضيتم عنهم، أيها المؤمنون بما حلفوا لكم، وقبلتم عذرهم، وساعدتموهم على ما طلبوا .. فإن رضاكم عنهم لا يجديهم نفعًا. {فَإِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى: {لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}؛ أي: الخارجين عن طاعته، وطاعة رسوله، بما في قلوبهم من النفاق، والشك؛ أي: فإن الله تعالى ساخط عليهم، بسبب فسوقهم، وخروجهم عن أمره ونهيه.
وفي هذا: إيماء إلى نهي المخاطبين عن الرضا عنهم، والاغترار بمعاذيرهم الكاذبة، وأن من يرضى عنهم، من المؤمنين .. يكون فاسقًا مثلهم، محرومًا من رضوان الله. وأن من يتوب منهم ويُرضي الله ورسوله .. يخرج من حدود سخطه، ويدخل في حظيرة مرضاته، ولا يعد حينئذٍ فاسقًا.