للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أسباب النزول

قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ...} الآيات، سبب نزول هذه الآية (١): ما أخرجه مسلم، وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مطر الناس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أصبح من الناس شاكر، ومنهم كافر". قالوا: هذه رحمة وضعها الله. وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا، وكذا. فنزلت هذه الآية: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (٧٥)} حتى بلغ {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢)}. وأصل الحديث بدون ذكر أنه سبب نزول الآية ثابت في "الصحيحين" من حديث زيد بن خالد الجهني، ومن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما.

التفسير وأوجه القراءة

٥٧ - {نَحْنُ خَلَقْنَاكُم} أيها الكفرة {فَلَوْلَا}؛ أي: فهلا {تُصَدِّقُونَ} بالخلق فإن ما لا يحققه العمل، ولا يساعده، بل ينبىء عن خلافه ليس من التصديق في شيء أو بالبعث، فإن من قدر على الإبداء قدر على الإعادة. قال مقاتل: خلقناكم، ولم تكونوا شيئًا، وأنتم تعلمون ذلك فهلا تصدقون بالبعث. قال القاضي زكريا: فإن قلت: كيف قال ذلك مع أنهم مصدقون بذلك بدليل قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}؟ قلت: هم، وإن صدقوا بألستهم لكن لما كان مذهبهم خلاف ما يقتضيه التصديق كانوا كأنهم مكذبون به، أو أن ذلك تحضيض على التصديق بالبعث بعد الموت بالاستدلال بالخلق الأول، فكأنّه قال: هو خلقكلم أولًا باعترافكم، فلا يمتنع عليه أن يعيدكم ثانيًا. فهلا تصدقون بذلك؟ انتهى.

واعلم (٢): أنَّ الله سبحانه وتعالى إذا أخبر عن نفسه بلفظ الجمع يشير به إلى ذاته وصفاته وأسمائه كما قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩) وكما قال: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ}. وإذا أخبر عن نفسه بلفظ المفرد يشير إلى ذاته المطلقة كما قال: {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}. هذا إذا كان القائل المخبر هو الله تعالى، وأما إذا كان العبد فينبغي أن يقول: أنت يا رب، لا أنتم؛ لإيهامه الشرك المنافي


(١) الشوكاني بتصرف.
(٢) روح البيان.