رأيناه يعرض لكثير من العقلاء، إذا حدَّث رئيس بحضرته بحديث مستحيل يوافقه على ذلك الحديث.
ولا يدل الأمر ببناء الصرح على أنه بني، وقد اختُلف في ذلك، فقيل: بناه، وذُكر من وصفه بما الله أعلم به، وقيل: لم يبن. قال أهل السير: لما أمر فرعون وزيره هامان ببناء الصرح جمع هامان العمال والفعلة، حتى اجتمع عنده خمسون ألف بنَّاء، سوى الأتباع والأجراء، وطبخ الآجر والجص، ونجر الخشب وضرب المسامير، وأمر بالبناء، فبثوه ورفعوه وشيدوه، حتى ارتفع ارتفاعًا لم يبلغه بنيان أحد من الخلق، واشتد ذلك على موسى وهارون, لأن بني إسرائيل كانوا معذبين في بنائه، وأراد الله أن يفتنهم فيه، فلما فرغوا منه ارتقى فرعون فوقه، وأمر بنشَّابة فرمى بها نحو السماء فرُدَّت إليه، وهي ملطخة دمًا، فقال قد قتلت إله موسى، وكان فرعون يقصده راكبًا على البراذين، فبعث الله جبريل عند غروب الشمس فضربه بجناحيه، فقطعه ثلاث قطع، فوقعت قطعة منه على عسكره، فقتلت منهم ألف ألف رجل، ووقعت قطعة منه في البحر، وقطعة في المغرب، فلم يبق أحد عمل فيه شيئًا إلا هلك إلا من آمن بموسى.
قال أبو الليث: كان بلاط القصر خبث القوارير، وكان الرجل لا يستطيع القيام عليه من طوله، مخافة أن ينسفه الريح، وكان طوله خمسة آلاف ذراع، وعرضه ثلاثة آلاف ذراع.
كلمة غريبة: وكتب بهلول على حائط من حيطان قصر عظيم بناه الخليفة هارون الرشيد: يا هارون رفعت الطين ووضعت الدين، رفعت الجص ووضعت النص، إن كان من مالك فقد أسرفت، إن الله لا يحب المسرفين، وإن كان من مال غيرك فقد ظلمت، إن الله لا يحب الظالمين.
٣٩ - ثم ذكر سبحانه ما هو السبب في العناد والجحود، فقال:{وَاسْتَكْبَرَ هُوَ}؛ أي: فرعون {وَجُنُودُهُ}؛ أي: جموعه القبط؛ أي: تعظموا عن الإيمان, ولم ينقادوا للحق {فِي الْأَرْضِ}؛ أي: في أرض مصر وما يليها، {بِغَيْرِ الْحَقِّ}؛ أي: حالة كونهم متلبسين بغير الحق؛ أي: بالباطل والكفر، أو استكبروا بغير