للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦)}.

وإنما (١) حذف هنا {أَتَاهُمْ كَبُرَ وَقَالَ فِرْعَوْنُ} وذكره في غافر, لأن ما هنا تقدَّمه {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} من غير ذكر أرض، ولا غيرها، فناسبه الحذف، وما هناك تقدمه {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} فناسبه مقابلته بالسماء في قوله: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ}.

ثم زاد قومه شكًا في صدقه بقوله: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ}؛ أي: أظن موسى {مِنَ الْكَاذِبِينَ} في ادعائه أن له إلهًا غيري، وأنه رسوله. قاله تلبيسًا وتمويهًا على قومه، لا تحقيقًا لقوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ}؛ أي: وإني لأظنه كاذبًا فيما يدعي من أن له معبودًا في السماء، ينصره ويؤيده، وأنه هو الذي أرسله.

قال في "الأسئلة المقحمة": ولا يُظن بأن فرعون كان شاكًا في عدم استحقاقه لدعوى الإلهية في نفسه، إذ كان يعلم حال نفسه من كونها أهل الحاجات ومحل الآفات، ولكن كان معاندًا في دعواه، مجاحدًا من غير اعتقاد له في نفسه بالإلهية.

وإنما قال هنا (٢): {لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} وقال في غافر: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} موافقة للفاصلة هنا، وعلى الأصل بلا معارض ثَمَّ.

واعلم (٣): أن فرعون أوهم قومه أن إله موسى يمكن الوصول إليه والقدرة عليه، وهو عالم متيقن أن ذلك لا يمكن له، وقومه لغباوتهم وجهلهم، وإفراط عمايتهم يمكن ذلك عندهم، ونفس إقليم مصر يقضي لأهله تصديقهم بالمستحيلات، وتأثرهم بالموهمات والخيالات، ولا يُشك أنه كان من قوم فرعون من يعتقد أنه مبطل في دعواه، ولكن يوافقه مخافة سطوه، واعتدائه، كما


(١) فتح الرحمن.
(٢) فتح الرحمن.
(٣) البحر المحيط.