ينفقونه من أموالهم، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حضهم على الصدقة، فقالوا: ماذا ننفق؟ قيل: سائله أيضًا عمرو بن الجموح، سأل أولًا عن المنفق والمصرف، ثم سأل عن كيفية الإنفاق، وقيل: السائل معاذ بن جبل وثعلبة، وقال الرازي: كان الناس لما رأوا الله ورسوله يحضان على الإنفاق، ويدلان على عظيم ثوابه .. سألوا عن مقدار ما كلفوا به: هل هو كل المال أو بعضه؟ فأعلمهم الله تعالى أن العفو؛ أي: الفاضل عن الكفاية مقبول. {قُلِ} لهم يا محمَّد في الجواب أنفقوا {الْعَفْوَ}؛ أي: المال الفاضل عن حاجة الإنسان في نفسه وعياله، ومن تلزمه مؤنتهم، فكان (١) الرجل منهم بعد نزول هذه الآية يأخذ من كسبه ما يكفيه، وينفق باقيه إلى أن فرضت الزكاة، فنَسخت آية الزكاة التي في براءة هذه الآية، وكل صدقة أمروا بها قبل الزكاة، وقراءة الجمهور بالنصب، وقرأ أبو عمر وحده {العفوُ} بالرفع.
وقال الشوكاني: والعفو هو ما سهل وتيسر، ولم يشق على القلب، والمعنى على النصب: أنفقوا ما فضل عن حوائجكم، ولم تجهدوا فيه أنفسكم، وعلى الرفع: الذي أُمرتم بإنفاقه هو العفو؛ أي: ما فضل عن نفقة العيال {كَذَلِكَ}؛ أي: كما بين الله لكم قدر المنفق، وحكم الخمر والميسر بأن فيهما منافع في الدنيا ومضار في الآخرة {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ} الدالة على الأحكام
٢٢٠ - الشرعية {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}؛ أي: لكي تتأملوا {في} أحوال {الدُّنْيَا} فتعرفوا أنها فانية، فتزهدوا فيها {و} تتفكروا في أمور {الآخرة} فتعرفوا أنها باقية، فتقبلوا عليها، فإذا تفكرتم في أحوال الدنيا والآخرة .. علمتم أنه لا بد من ترجيح الآخرة على الدنيا؛ لبقاء الآخرة.
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} كان أهل الجاهلية قد اعتادوا الانتفاع بأموال اليتامى، وربما تزوجوا باليتيمة طمعًا في مالها، ثم إن الله تعالى أنزل قوله:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا}.