بن عوف - رضي الله عنه - صنع طعامًا، ودعا إليه ناسًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأطعمهم وسقاهم الخمر، وحضرت صلاة المغرب، فقدموا أحدهم يصلي بهم، فقرأ:{قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون} - بحذف حرف لا إلى آخر السورة؛ فأنزل الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} فحرم الله السكر في أوقات الصلاة، فكان الرجل يشربها بعد صلاة العشاء، فيصبح وقد زال سكره، فيصلي الصبح ويشربها بعد صلاة الصبح، فيصحوا وقت صلاة الظهر، ثم إن عتبان بن مالك اتخذ صنيعًا - يعني: وليمة - ودعا رجالًا من المسلمين، وفيهم سعد بن أبي وقاص، وكان قد سوى لهم رأس بعير، فأكلوا وشربوا الخمر حتى أخذت منهم، فافتخروا عند ذلك وانتسبوا، وتناشدوا الأشعار، فأنشد سعد قصيدة فيها فخر قومه وهجاء الأنصار، فأخذ رجل من الأنصار لحى البعير، فضرب به رأس سعد، فشجه موضحة، فانطلق سعد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشكا إليه الأنصاري، فقال عمر: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا؛ فأنزل الله الآية التي في المائدة إلى قوله:{فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} فقال عمر: انتهينا يا رب، وذلك بعد غزوة الأحزاب بأيام.
والحكمة في وقوع التحريم على هذا الترتيب: أن الله تعالى علم أن القوم كانوا قد ألفوا شرب الخمر، وكان انتفاعهم بذلك كثيرًا، فعلم أنه لو منعهم من الخمر دفعة واحدة .. لشق ذلك عليهم، فلا جرم استعمل هذا التدريج، وهذا الرفق. قال أنس - رضي الله عنه -: حرمت الخمر، ولم يكن يومئذ للعرب عيش أعجب منها، وما حرم عليهم شيء أشد من الخمر.
روى الشيخان عن أنس - رضي الله عنه - قال: ما كان لنا خمر غير فضيخكم، وإني لقائم أسقي أبا طلحة، وأبا أيوب، وفلانًا وفلانًا؛ إذ جاء رجل فقال: حرمت الخمر، فقالوا: أهرق هذه القلال يا أنس، فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر هذا الرجل. الفضيخ - بالضاد والخاء المعجمتين -: شراب يتخذ من بسر مطبوخ، والإهراق: الصب، والقلال - جمع قلة -: وهي الجرة الكبيرة.
{وَيَسْأَلُونَكَ}؛ أي: يسألك أصحابك يا محمَّد {مَاذَا يُنْفِقُونَ}؛ أي: قدر ما