للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لعب تردد بين غُنم وغُرم، وفي مصحف عبد الله وقراءته شذوذًا {أكثر} بالثاء المثلثة، وقال مالك: الميسر ميسران: ميسر اللهو؛ فمنه النرد والشطرنج وآلات الملاهي كلها، وميسر القمار؛ وهو ما يتخاطر الناس عليه، وقال القاسم: كل شيء ألهى عن ذكر الله، وعن الصلاة فهو ميسر. ذكره أبو حيان.

{قُلْ} لهم يا محمَّد {فِيهِمَا}؛ أي: في تعاطيهما {إِثْمٌ كَبِيرٌ}؛ أي: عظيم بعد التحريم، لما يحصل بسببهما من المخاصمة والمشاتمة وقول الفحش وإتلاف المال، ولأن الخمر مسلبة للعقول التي هي قطب الدين والدنيا، وقرأ حمزة والكسائي {كثير} بالثاء المثلثة. {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} قبل التحريم: بالتجارة فيها، وباللذة والفرج وتصفية اللون، وحمل البخيل على الكرم، وزوال الهم، وهضم الطعام، وتقوية الباءة، وتشجيع الجبان في شرب الخمر، وإصابة المال بلا كد ولا تعب في الميسر والقمار، قيل: بما أن الواحد منهم كان يقمر في المجلس الواحد مئة بعير، فيحصل له المال الكثير، وربما كان يصرفه إلى المحتاجين، فيكسب بذلك الثناء والمدح، وهو المنفعة {وَإِثْمُهُمَا} بعد التحريم ومفاسدهما بعده {أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} قبل التحريم، وقرىء شذوذًا: {أقرب من نفعهما}؛ يعني: المفاسد (١) التي تنشأ عنهما أعظم من المنافع المتوقعة منهما. وقيل (٢): إثمهما، قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١)} فهذه ذنوب يترتب عليها آثام كبيرة بسبب الخمر والميسر.

وجملة القول في تحريم الخمر: أن الله عَزَّ وَجَلَّ أنزل في الخمر أربع آيات نزلت بمكة {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} فكان المسلمون يشربونها في أول الإِسلام وهي لهم حلال، ثم نزل بالمدينة في جواب سؤال عمر ومعاذ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} فتركها قوم لقوله: {إِثْمٌ كَبِيرٌ} وشربها قوم لقوله: {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} ثم إن عبد الرحمن


(١) البيضاوي.
(٢) الخازن.