ومن يضلله الله تعالى، لما علم من استعداده للشر والفساد وارتكاب الشرور والآثام، فلا سبيل له إلى الوصول إلى الحق في الدنيا, ولا إلى الجنة في الآخرة.
حكي: أن شيخًا حج مع شاب، فلما أحرم قال: لبيك، فقيل له: لا لبيك، فقال الشاب للشيخ: ألا تسمع هذا الجواب، فقال: كنت أسمع هذا الجواب منذ سبعين سنة، قال: فلأي شيء تتعب، فبكى الشيخ، فقال: فإلى أي باب ألتجىء فقيل له: قد قبلناك. فهذا من هداية الله الخاصة، فافهم جيدًا.
٤٧ - {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ} إذا دعاكم إلى الإيمان, على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ} وهو يوم القيامة، أو يوم الموت {لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ} و {مِنْ} إما متعلقة بـ {يَأْتِيَ}؛ أي: من قبل أن يأتي من الله يوم، لا يقدر أحد على رده، ودفعه، أو متعلقة بـ {مَرَدَّ}؛ أي: لا يرده الله، بعد أن حكم به على عباده، ووعدهم به.
والمعنى: أجيبوا داعي الله، وهو رسوله - صلى الله عليه وسلم - وآمنوا به، واتبعوه فيما جاءكم به من عند الله تعالى، من قبل أن يأتي يوم لا يستطيع أحد أن يرده، إذا جاء به الله.
{اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ} تلتجئون إليه، ولا مفر تفرون إليه؛ أي (١): ما لكم مخلص ما، من العذاب على ما دل عليه، تأكيد النفي بـ {من} الاستغراقية {وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ}؛ أي: إنكار ما لما اقترفتموه؛ لأنه مدون في صحائف أعمالكم، وتشهد عليكم جوارحكم، ولعل المراد: الإنكار المنجي، وإلا فهم يقولون {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} وغير ذلك، ولذلك تشهد عليهم أعضاؤهم، أي: ما لكم من إنكار يومئذٍ، بل تعترفون بذنوبكم. والنكير: اسم مصدر بمعنى الإنكار، وقال مجاهد:{مَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ}؛ أي: ناصر ينصركم، وقيل: النكير بمعنى المنكر، كالأليم بمعنى المؤلم؛ أي: لا تجدون يومئذٍ منكرًا لما ينزل بكم من العذاب، قاله الكلبي وغيره، والأول أولى.