للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العرب: إنّ له لإبلا، وإن له لغنما، يقصدون الكثرة، وفي خطاب السحرة بذلك لفرعون دليل على استطالتهم عليه باحتياجه إليهم، وبما يحصل للعالم بالشيء من الترفع على من يحتاج إليه،

١١٤ - وعلى من لا يعلم مثل علمه {قالَ} فرعون مجيبا لهم إلى ما طلبوا {نَعَمْ}. قرأ الكسائي (١) بكسر العين؛ أي: إنّ لكم لأجرا عظيما على ما تقومون به من ذلك العمل الجليل {وَإِنَّكُمْ} مع ذلك الأجر {لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} إلينا، فتجمعون بين المال والجاه، وذلك منتهى ما تطمعون فيه من نعيم الدنيا وسعادتها، والمعنى (٢): إنّ فرعون قال للسحرة: إنّي لا أقتصر معكم على الأجر، بل أزيدكم عليه، وتلك الزيادة أني أجعلكم من المقربين إلي بالمنزلة، قال الكلبي: تكونون أول من يدخل علي، وآخر من يخرج من عندي.

وفي (٣) مبادرة فرعون لهم بالوعد والتقريب منه، دليل على شدة اضطراره لهم، وأنّهم كانوا عالمين بأنّه عاجز، ولذلك احتاج إلى السحرة في دفع موسى عليه السلام.

١١٥ - {قالُوا}؛ أي: قالت السحرة لموسى بعد وعد فرعون لهم: {يا مُوسى} اختر {إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ} ما عندك أولا {وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ}؛ أي: وإما أن نلقي نحن ما عندنا أولا، وفي هذا التخير منهم له دليل على اعتدادهم بسحرهم، وثقتهم بأنفسهم، وعدم المبالاة بعمله، ولولا ذلك لما خيروه، إذ المتأخر في العمل يكون أبصر بما تقتضيه الحال بعد وقوفه على منتهى جهد خصمه.

١١٦ - {قالَ} لهم موسى عليه السلام - وهو واثق بشأنه، محتقر لهم غير مبال بهم - {أَلْقُوا} ما أنتم ملقون، وهو عليه السلام لم يأمرهم بفعل السحر ابتداء؛ وإنّما أمرهم بأن يتقدموه فيما جاؤوا به لأجله، ولا بد لهم منه، وأراد بذلك التوصل إلى إظهار بطلان السحر لا إثباته، وإلى بناء ثبوت الحق على بطلانه، ولم يكن هناك وسيلة للإبطال إلا ذلك، وقد صرح فيما حكاه الله تعالى عنه: {قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللَّهُ


(١) المراح.
(٢) الخازن.
(٣) البحر المحيط.