الإنسان، أن لا يرجع إلى الله على أقدام العبودية، إلا أن يجر بسلاسل البأساء والضراء إلى الحضرة الإلهية، فكلمة لعل، مستعارة لمعنى كي، وهو التعليل كما سبق في أول هذه السورة؛ أي: عاقبناهم بالعذاب لكي يرجعوا عما هم عليه من الكفر إلى الإيمان بالله وطاعته، والتوبة مما هم عليه مقيمون من المعاصي،
٤٩ - ولما عاينوا ما جاءهم به من الآيات البينات، والدلالات الواضحات، ظنوا أن ذلك من قبيل السحر {وَقَالُوا}؛ أي: فرعون وقدمه في كل مرة أو العذاب، لما ضاق نطاق بشريتهم {يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ} نادوه بذلك في مثل تلك الحالة؛ أي: عند طلب كشف العذاب بدعائه، لغاية عتوهم وغاية حماقتهم، أو سبق ذلك إلى لسانهم، على ما ألفوه من تسميتهم إياه بالساحر لفرط حيرتهم، قال سعدي المفتي: والأظهر: أن النداء كان باسمه العلم، كما في الأعراف، لكن حكى الله تعالى هذا كلامهم لا بعبارتهم، بل على وفق ما أضمرته قلوبهم، من اعتقادهم أنه ساحر، لاقتضاء مقام التسلية ذلك، فإن قريشًا أيضًا سموه ساحرًا، وسموا ما أتى به سحرًا، وعن الحسن قالوه على الاستهزاء، وقال بعضهم: قالوه تعظيمًا، فإن السحر كان عندهم علمًا عظيمًا، وصفةً ممدوحةً والساحر فيهم عظيم الشأن، فكأنهم قالوا: يا أيها العالم بالسحر الكامل، الحاذق فيه، {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ} ليكشف عنا العذاب {بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ}؛ أي: بسبب ما أخبرتنا من عهده إليك، أنا من آمنا به كشفه عنا، أو بعهده عندك، وهو النبوة، فإن النبوة تسمى عهد الله، والباء حينئذ للقسم؛ أي: ادع الله بحق ما عندك من النبوة، أو بما عهده عندك من استجابة دعوتك في كل شيء.
قال في "التأويلات النجمية": ما قالوا مع هذا الاضطرار: يا أيها الرسول، وما قالوا: ادع لنا ربنا؛ لأنهم ما رجعوا إلى الله بصدق النية، وخلوص العقيدة. ليروه بنور الإيمان رسولًا، ويروا الله ربهم، وإنما رجعوا بالاضطرار لخلاص أنفسهم، لا لخلاص قلوبهم {إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ}؛ أي: لمؤمنون على تقدير كشف العذاب عنا بدعوتك وعد منهم، معلق بشرط الدعاء، ولهذا تعرضوا للنبوة على تقدير صحتها، وقالوا: ربك، لا ربنا، فإنه إنما يكون ربهم بعد الإيمان؛ لأنهم قائلون بربوبية فرعون.