للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وانقلاب خشبة لحما ودما قائما به الحياة من أعظم الإعجاز، ويحصل من إنقلابها ثعبانا من التهويل ما لا يحصل في غيره، وضربه بها الحجر فينفجر عيونا، وضربه بها الأرض فتنبت، قاله ابن عباس، ومحاربته بها اللصوص والسباع القاصدة غنمه، واشتعالها في الليل كاشتعال الشمعة، وصيرورتها كالرشا لينزح بها الماء من البئر العميقة، وتلقفها الحبال والعصي التي للسحرة، وإبطالها لما صنعوه من كيدهم وسحرهم.

١٠٨ - {وَنَزَعَ يَدَهُ}؛ أي: نزع موسى يده اليمنى، وجذبها وأخرجها وأظهرها من جيب قميصه بعد أن وضعها فيه - بعد إلقاء العصا - أو من تحت إبطه، وفي التنزيل {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ}، {فَإِذا هِيَ}؛ أي: يده التي أخرجها {بَيْضاءُ} بياضا نورانيا، تتلألأ نورا غلب شعاعه شعاع الشمس يظهر {لِلنَّاظِرِينَ} إليها؛ أي: لكل من ينظر إليها.

١٠٩ - ثم حكى الله سبحانه وتعالى ما قاله قومه، بعد أن رأوا من موسى ما رأوا فقال: {قالَ الْمَلَأُ}؛ أي: الأشراف {مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ} وهم أهل مشورته ورؤساء دولته {إِنَّ هذا} الرجل، يعنون موسى {لَساحِرٌ عَلِيمٌ}؛ أي: حاذق في علم السحر، كثير في فهمه ومعرفته وفائق فيه، يعنون أنّه ليأخذ بأعين الناس، حتى يخيل لهم أنّ العصا صارت حية، ويرى الشيء بخلاف ما عليه، كما أراهم يده بيضاء وهو آدم اللون، وإنّما قالوا ذلك لأنّ السحر كان هو الغالب في ذلك الزمان، فلما أتى بما يعجز عنه غيره .. قالوا: {إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ}.

فإن قلت (١): قد أخبر الله تعالى في هذه السورة أنّ هذا الكلام من قول الملأ لفرعون، وقال في سورة الشعراء: {قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ} فكيف الجمع بين الآيتين؟

قلت: لا يمتنع أن يكون قاله فرعون أولا، ثم إنّهم قالوه بعده، فأخبر الله تعالى عنهم هنا، وأخبر عن فرعون في سورة الشعراء. وقيل: يحتمل أنّ فرعون


(١) الخازن.