الشقّ الثاني؛ أعني: أصحاب الجنّة؛ إيذانًا بتسبُّب الخلود في النار عن الشرك، وعدم تسبّب الخلود في الجنّة عن الإيمان، بل بمحض فضل الله تعالى.
٨٣ - {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} في التوراة، والميثاق: العهد المؤكَّد باليمين، وهو قسمان: عهد خلقة وفطرةٍ، وعهد نبوّةٍ ورسالةٍ، وهو المراد هنا، وهذا العهد أخذ عليهم وجعل على لسان موسى، وغيره من أنبيائهم. قال أبو السعود: وهذا شروع في تعداد بعضٍ آخر من قبائح أسلاف بني إسرائيل، بما ينادي بعدم إيمان أخلافهم. وكلمة {إِذْ} نصبت بإضمار فعل خوطب به اليهود الموجودون في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ توبيخًا لهم بسوء صنيع أسلافهم، تقديره: واذكروا يا بني إسرائيل! الموجودين في عهد محمد - صلى الله عليه وسلم - إذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل الموجودين في زمن موسى عليه السلام، الذين هم أسلافكم وأصولكم، أو خوطب به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون؛ ليؤدِّيهم التأمُّل في أحوالهم إلى قطع الطمع في إيمان أخلافهم؛ لأنَّ قبائح أسلافهم ممَّا يؤدِّي إلى عدم إيمانهم، ولا تلد الحيّة إلّا الحيَّة، ومن ها هنا قل: إذا طاب أصل المرء طابت فروعه؛ أي: واذكروا يا أيها الرسول والمؤمنون! حين جعلنا عليهم الميثاق.
ثم بيَّن الميثاق، فقال:{لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} سبحانه وتعالى؛ أي: بأن لا تعبدوا إلّا الله تعالى، ولا تشركوا به شيئًا؛ أي: فاعبدوه دون غيره؛ لأنّه المستحقّ للعبادة، فلمّا أسقط (أن) رفع تعبدون لزوال الناصب، أو على أن يكون إخبارًا بمعنى النهي؛ أي: لا تعبدوا إلّا الله، ولا تجعلوا الألُوهيَّة إلّا لله، كأنَّ المخاطب سيمتثل النهي حتمًا، ويسارع إلى الترك، فيخبر به الناهي، وقيل: إنّه جواب قسم دلَّ عليه المعنى، كأنَّه قيل: واستحلفناهم، أو قلنا بالله لا تعبدون إلّا الله، وقد نهوا عن عبادتهم غير الله تعالى، مع أنّهم كانوا يعبدون الله خوفًا من أن يشركوا به سواه، من ملك، أو بشر، أو صنم بدعاء، أو غيره من أنواع العبادات، ودين الله على ألسنة الرسل جميعًا، فيه الحثُّ على عبادة الله وعدم