{تَجْهَلُونَ} ولم يقل جهلتم، إشعارا بأنّ ذلك منهم كالطبع والغريزة، لا ينتقلون عنه في ماض ولا مستقبل. انتهى.
والخلاصة (١): أنّكم تجهلون مقام التوحيد، وما يجب من تخصيص الله بالعبادة بلا واسطة ولا مظهر من المظاهر، كالأصنام والتماثيل والعجل، فالله قد كرم البشر، وجعلهم أهلا لمعرفته ودعائه ومناجاته بلا واسطة تقربهم إليه، فإنه أقرب إليهم من حبل الوريد.
وبعد أن بين لهم جهلهم وسفههم، بين لهم فساد ما طلبوه، عسى أن تستعد عقولهم لفهمه واستبانة قبحه فقال:
١٣٩ - {إِنَّ هؤُلاءِ} القوم الذين يعبدون تلك التماثيل {مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ}؛ أي: مهلك مدمّر مكسر مضمحل معدوم، منمحق ما هم عليه من الدين والعبادة؛ أي: إنّ الله سبحانه وتعالى يهدم دينهم عن قريب، ويحطم أصنامهم {وَباطِلٌ} زائل {ما كانُوا يَعْمَلُونَ} من عبادتها؛ أي: فلا يعود عليهم من ذلك العمل نفع ولا دفع ضر.
والمعنى: إن هؤلاء القوم الذين يعكفون على هذه الأصنام مقضي على ما هم فيه بالتبار والهلاك، بما سيظهر من التوحيد الحق في هذه الديار، وزائل ما كانوا يعملون من عبادة غير الله تعالى، فإنما بقاء الباطل في ترك الحق له وبعده عنه.
١٤٠ - وفي هذا بشارة منه عليه السلام بزوال الوثنية من تلك الأرض، وقد حقق الله تعالى ما قال:{قالَ} لهم موسى متعجبا من قولهم: {أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهًا}؛ أي: أأطلب لكم معبودا غير الله سبحانه وتعالى: {وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ}؛ أي: والحال أنّه سبحانه وتعالى قد فضلكم على عالمي زمانكم، بالإسلام والتوحيد، أو فضلكم على العالمين كلهم بتخصيصكم بنعم لم يعطها