للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكبار العلماء والقادة، للتذكير بتاريخهم وأعمالهم، للاقتداء بهم.

{قالُوا}؛ أي: قال بنو إسرائيل لموسى لما رأوا تلك التمثال عند أولئك القوم: {يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهًا}؛ أي: عيّن لنا تمثالا نتقرب بعبادته إلى الله تعالى. {كَما لَهُمْ}؛ أي: كما لهؤلاء القوم {آلِهَةٌ}؛ أي: تماثيل يعبدونها.

قالوا (١) ذلك حنينا منهم إلى ما ألفوا في مصر من عبادة المصريين وتماثيلها وأنصابها وقبورها، وسر هذا الطلب أنّهم لم يكونوا قد فهموا التوحيد الذي جاء به موسى كما فهمه من آمن من سحرة المصريين، إذ إن السحرة كانوا من العلماء، فأمكنهم التمييز بين آيات الله التي لا يقدر عليها غيره، والسحر الذي هو من صناعات البشر وعلومهم.

ولم يذكر القرآن شيئا يعين شأن هؤلاء القوم الذين أتى عليهم بنو إسرائيل، والراجح أنّهم من العرب الذين كانوا يقيمون بقرب حدود مصر، روي عن قتادة أنّهم من عرب لخم كما مر، وعن ابن جريج أن أصنامهم كانت تماثيل بقر من النحاس.

{قالَ} موسى للقائلين من قومه {إِنَّكُمْ} يا قوم {قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}؛ أي: جاهلون عظمة الله تعالى، وأنّه لا يستحق أن يعبد سواه؛ لأنّه هو الذي أنجاكم من فرعون وقومه، فأغرقهم في البحر وأنجاكم منه، فلا جهل أعظم مما قلتم؛ فإنّكم قلتموه بعدما شاهدتم المعجزة العظمى، وعن (٢) واقد الليثي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم: لما خرج إلى غزوة حنين .. مر بشجرة للمشركين كانوا يعلقون عليها أسلحتهم يقال لها: ذات أنواط، فقالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، والذي نفسي بيده لتركبن سنن من قبلكم» أخرجه الترمذي، قال أبو حيان (٣): تعجب موسى عليه السلام من قولهم على إثر ما رأوا من الآيات العظيمة، والمعجزات الباهرة، ووصفهم بالجهل المطلق، وأكده بـ {إن}؛ لأنّه لا جهل أعظم من هذه المقالة، ولا أشنع، وأتى بلفظ


(١) المراغي.
(٢) الخازن.
(٣) البحر المحيط.