للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لازمين لهم، كما كانا لازمين لعاد وثمود، قاله الزمخشري، وفيه تعسف ظاهر.

١٣٠ - ثم لما بين الله سبحانه أنه لا يهلكهم بعذاب الاستئصال .. أمره بالصبر فقال: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} من أنك ساحر كذاب، ونحو ذلك من مطاعنهم الباطلة و (الفاء) فيه: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت كون الأمر على ما ذكر، من أن تأخير عذابهم ليس بإهمال بل إمهال، وأنه لازم لهم البتة، وأردت بيان ما هو اللازم لك .. فأقول لك {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} فيك من كلمات الكفر والنسبة لك إلى السحر والجنون، إلى أن يحكم الله فيهم، فإن علمه - عليه الصلاة والسلام - بأنهم معذبون لا محالة، مما يسليه ويحمله على الصبر.

والمعنى: لا تهتم بهم، فإن لعذابهم وقتًا مضروبًا، لا يتقدم ولا يتأخر، وقيل: هذا منسوخ بآية القتال، وفي "الشهاب" ما نصه؛ أي: إذا (١) لم نعذبهم عاجلًا .. فاصبر، فـ (الفاء): سببية، والمراد بالصبر: عدم الاضطراب لما صدر منهم من الأذية، لا ترك القتال، حتى تكون الآية منسوخةً، وفي "الكبير" هذا غير لازم. لجواز أن يقاتل ويصبر على ما يسمع منهم من الأذى، والصبر: حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، كما سيأتي في مباحث الصرف {وَسَبِّحْ}؛ أي: نزه ربك عما لا يليق به، حالة كونك متلبسًا {بِحَمْدِ رَبِّكَ} وثنائه؛ أي: صل حامدًا لربك على هدايته وتوفيقه {قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} صلاةَ الفجر، فهو (٢) من إطلاق اسم الجزء على الكل، وفي الخبر "إن الذكر والتسبيح إلى طلوع الشمس أفضل من إعتاق ثمانين رقبة من ولد إسماعيل" وفيه مقال، خص إسماعيل بالذكر لشرفه، وكونه أبا العرب، وإنما أمره بالتسبيح لأن التسبيح وذكر الله تعالى يفيد السلوة والراحة، وينسي جميع ما أصاب من الغموم والأحزان {و} صلّ {قَبْلَ غُرُوبِهَا}؛ أي: قبل غروب الشمس: صلاتي الظهر والعصر؛ لأنهما قبل غروبها وبعد زوالها {وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ}؛ أي: بعض ساعاته، جمع إنى بالكسر والقصر، كمِعى وأمعاء، وآناء بالفتح والمد؛ أي: وبعض ساعات الليل {فَسَبِّحْ}؛ أي:


(١) الشهاب.
(٢) روح البيان.