للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويجعلون لأنفسهم البنين وهم أعلاهما. ومن كان هذا رأيه فهو بمحل سافل في الفهم والعقل، فلا يستبعد منه إنكار البعث، وجحد التوحيد.

٤٠ - ثم رجع سبحانه إلى خطاب رسوله، وأعرض عنهم، فقال: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ} أي: بل أتسأل يا محمد هؤلاء المشركين الذين أرسلناك إليهم على ما تدعوهم إليه من توحيد الله وطاعته {أَجْرًا} وجعلا تأخذه من أموالهم {فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ}؛ أي: من غرامة ما حملتهم من الأجرة؛ أي: من التزام غرامة تطلبها منهم {مُثْقَلُونَ}؛ أي: متعبون، مجهودون، مثقلون بحملهم ذلك المغرم الثقيل. فلا يقدرون على إجابتك إلى ما تدعوهم إليه. فالمغرم مصدر ميمي بمعنى الغرم. ولا بد من تقدير مضاف. يعني: لا عذر لهم أصلًا، والدين لايباع بالدنيا. فالأجر على الله تعالى، كما قال: {إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ}. وقد سبق تحقيقه في مواضع متعددة.

٤١ - {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ}؛ أي: بل أعندهم علم ما غاب عن الخلق. أو المعنى: هل عندهم (١) اللوح المحفوظ المثبت فيه الغيوب {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} ما فيه للناس فينبئونهم بما شاؤوا، ويخبرونهم بما أرادوا. ليس الأمر كذلك. إذ لا يعلم غيب السموات والأرض إلا الله.

قال قتادة: وهذا جواب (٢) لقولهم: {نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ}. يقول الله تعالى: أم عندهم الغيب حتى علموا أن محمدًا يموت قبلهم، فهم يكتبون؛ أي: يحكمون بما يقولون.

٤٢ - {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا}؛ أي: ألا يكتفون بهذه المقالات الفاسدة، ويريدون مع ذلك أن يكيدوا بك كيدًا وإساءة. وهو كيدهم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دار الندوة، ومكرهم بالقتل، أو الحبس، أو الإخراج. فإن الكيد هو الأمر الذي يسوء من نزل به سواء كان في نفسه حسنًا أو قبيحًا. فالاستفهام في المعطوف للتقرير، وفي المعطوف عليه للإنكار.

وقال سعدي المفتي: الظاهر: أنه من الإخبار بالغيب. فإن السورة مكية وذلك الكيد كان وقوعه ليلة الهجرة. فإن قيل: فليكن نزول الطور في تلك الليلة.


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.