للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فحقت عليه كلمة الله تعالى.

٣٢ - وجملة قوله: {قَالَ} الله عَزَّ وَجَلَّ {يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ}؛ أي: أَيُّ عذر لك {أَلَّا تَكُونَ}؛ أي: في أن لا تكون {مَعَ السَّاجِدِينَ} لآدم، مستأنفة أيضًا، واقعة في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا قال الله سبحانه وتعالى لإبليس بعد أن أبى السجود؟ وهذا (١) الخطاب له ليس للتشريف والتكريم، بل للتقريع والتوبيخ.

والمعنى: أيُّ غرض لك في الامتناع من السجود، وأيُّ سبب حملك على أن لا تكون مع الساجدين لآدم من الملائكة وهم في الشرف وعلو المنزلة والقرب من الله بالمنزلة التي قد علمتها.

فإن قلت: كيف (٢) يعقل هذا الخطاب، مع أن مكالمة الله تعالى بغير واسطة من أعظم المناصب، وأشرف المراتب، فكيف يعقل حصوله لرأس الكفرة؟

قلتُ: إن مكالمة الله تعالى إنما تكون منصبًا عاليًا إذا كانت على سبيل الإكرام والإعظام، فأما إذا كانت على سبيل الإهانة والإذلال فلا اهـ. "كرخي".

٣٣ - {قَالَ} إبليس، وهو استئناف بياني أيضًا {لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ} واللام لتأكيد النفي؛ أي: ينافي حالي، ولا يستقيم مني، ولا يليق بي وأنا جوهر روحاني أن أسجد {لِبَشَرٍ}؛ أي: لجسم كثيف {خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ}؛ أي: من طين يابس كائن {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}؛ أي: من طين أسود منتن، جعل (٣) العلة لترك سجوده كون آدم بشرًا مخلوقًا من صلصال من حمأ مسنون، زعمًا منه أنه مخلوق من عنصر أشرف من عنصر آدم، وفيه إشارة إجمالية في كونه خيرًا منه، وقد صرح بذلك في موضع آخر فقال: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}، وقال في موضع آخر: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا}

٣٤ - فأجاب الله سبحانه عليه بقوله: {قَالَ} الله تعالى لإبليس اللعين: {فَاخْرُجْ مِنْهَا} أي: من الجنة، أو من السماء، أو من زمرة


(١) الشوكاني.
(٢) الفتوحات.
(٣) الشوكاني.