للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: متجاوزًا عن حدّ الاعتدال، وقرأ أبو مجلز (١)، وعمر بن فائد، وموسى الأسوأريّ، وعمرو بن عبيد {أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا} بفتح لام أغفلنا، ورفع باء القلب بإسناد الإغفال إلى القلب على معنى: حسبنا قلبه غافلين عن ذكرنا إياه بالمؤاخذة والمجازاة. ومعنى الآية {وَلا تَعْدُ عَيْناكَ} الخ؛ أي (٢): ولا تصرف بصرك، ونفسك عنهم رغبة في مجالسة الأغنياء لعلهم يؤمنون.

وخلاصة ذلك: النهي عن احتقارهم، وصرف النظر عنهم إلى غيرهم، لسوء حالهم وقبح بزتهم، روي أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: - لما نزلت الآية - «الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معه» ثم هذا النهي بقوله: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا} الخ؛ أي: ولا تطع في تنحية الفقراء عن مجلسك من جعلنا قلبه غافلًا عن ذكر الله وتوحيده، لسوء استعداده، واتباع شهوته، وإسرافه في ذلك غاية الإسراف، وتدسيته نفسه حتى ران الكفر والفسوق والعصيان على قلبه، وتمادى في اجتراح الآثام والأوزار،

٢٩ - وبعد أن أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يلتفت إلى قول أولئك الأغنياء، الذين قالوا: إن طردت أولئك الفقراء آمنّا بك، أمره أن يقول لهم ولغيرهم على طريق التهديد والوعيد، هذا هو الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، وقد أشار إلى ذلك بقوله: {وَقُلِ} أيها الرسول لأولئك الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا، واتّبعوا أهواءهم، هذا الذي أوحي إلي هو {الْحَقُّ} حالة كونه كائنًا {مِنْ} عند {رَبِّكُمْ} ومالك أمركم، لا من قبل نفسي، وهو الذي يجب عليكم اتّباعه، والعمل به، فقد جاء الحقّ، وانزاحت العلل، فلم يبق إلّا اختياركم لأنفسكم، ما شئتم مما فيه النّجاة أو الهلاك، {فَمَنْ شاءَ} أن يؤمن به ويدخل في غمار المؤمنين، ولا يتعلل بما لا يصلح أن يكون معذرة له، {فَلْيُؤْمِنْ} به، لأن الحقّ قد وضح، واختفى الباطل {وَمَنْ شاءَ} أن يكفر به، وينبذه وراء ظهره، {فَلْيَكْفُرْ}، ولست بطارد - لأجل أهوائكم - من كان للحق متبعًا، وبالله وبما أنزل عليّ مؤمنًا، فالله تعالى لم يأذن لي في طرده لأجل أن يدخل في الإيمان جمع من الكفار، وهذه الجملة وردت مورد تهديد، لا مورد


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.