للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثابت القدم من المسلمين.

٥٢ - ثم رجع سبحانه إلى مخاطبة الكفار ومحاجتهم، فقال: {قُلْ} لهم يا محمد - صلى الله عليه وسلم - {أَرَأَيْتُمْ}؛ أي: أخبروني أيها المشركون؛ لأنّ الرؤية سبب للإخبار {إِنْ كَانَ} هذا القرآن {مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} سبحانه {ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ}؛ أي: كذّبتم به من غير نظر، واتباع دليل، ولم تقبلوه ولا عملتم بما فيه، مع تعاضد موجبات الإيمان به {مَن} استفهام {مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ} وخلاف {بَعِيدٍ} عنه؛ أي: لا أحد أضلّ منكم لفرط شقاوتكم وشدة عداوتكم والأصل: من أضل منكم فوضع {مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ} موضع الضمير لبيان حالهم في المشاقة، وأنها السبب في ضلالهم، فإن (١) من كفر بما نزل من عند الله، بأن قال: أساطير الأولين ونحوه، فقد كان مشاقًا لله؛ أي: معاديًا ومخالفًا له تعالى خلافًا بعيدًا عن الوفاق، ومعاداة بعيدة عن الموالاة ولا شك أن من كان كذا، فهو في غاية الضلال، وفي الآية إشارة إلى أن كل بلاءً وعناء ونعمة ورحمة ومضرة ومسرة، ينزل بالعبد، فهو من عند الله تعالى فإن استقبله بالتسليم والرضى صابرًا شاكرًا للمولى في الشدة، والرخاء والسراء والضراء، فهو من المهتدين المقربين، وإن استقبله بالكفر والجزع، فهو من الأشقياء المبعدين المضلّين، وفي الحديث القدسي: "إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه، أو ماله أو ولده، ثم استقبل ذلك بصبر جميل .. استحييت منه يوم القيامة، أن أنصب له ميزانًا وأنشر له ديوانًا".

قال بعض الكبار (٢): النعمة توجب الإعراض كما قال الله تعالى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ ...} إلخ، ومس الضر يوجب الإقبال على الله، كما قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ ...} إلخ، فالله تعالى رحيم على العبد بدفع النعمة والصحة عنه، لأنها مظنة الإعراض والبلاء للولاء كاللهب للذهب، فالبلاء كالنار، فكما أن النار لا تبقى من الحطب شيئًا إلا وأحرقته، فكذا البلاء لا يبقى من ضر الوجود شيئًا، فالطريق إلى الله على جادة المحنة أقرب من جادة المنحة إذ الأنبياء


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.