مُتَوَفِّيكَ}، {يا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} وقوله: {لَا يَحْزُنْكَ} قرأ نافع بضم الياء وكسر الزاي رباعيًّا، والباقون بفتح الياء وضم الزاي ثلاثيًّا، وقوله:{الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} هكذا قراءة الجمهور بالألف من سارع، وقرأ السلمي يسرعون بغير ألف من أسرع، والمسارعة إلى الشيء: الوقوع فيه بسرعة والمراد هنا: وقوعهم في الكفر بسرعة عند وجود فرصة، وآثر لفظ (في) على لفظ (إلى) للدلالة على استقرارهم فيه؛ أي: لا تهتم أيها الرسول ولا تبال بمسارعة هؤلاء المنافقين الذين يبادرون في إظهار الكفر، وموالاة أعداء المؤمنين عندما يرون الفرصة سانحة؛ فالله يكفيك شرهم، ويقيك ضرهم، وينصرك عليهم، وعلى من شايعهم وناصرهم.
والمراد بالنهي عن الحزن هو أمر طبيعي، وليس للإنسان فيه اختيار النهي عن لوازمه التي يفعلها الناس مختارين من تذكر المصائب، وتعظيم شأنها، وبذا يتجدد الألم، ويبعد أمد السلوى. ثم بين أن أولئك المسارعين في الكفر من المنافقين ومن اليهود فقال:{مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا} فـ (مِن) فيه بيانية للمسارعين والباء في قوله: {بِأَفْوَاهِهِمْ} متعلقة بقالوا، لا بآمنا، وهؤلاء الذين قالوا آمنا بأفواههم {وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} هم المنافقون وقوله: {وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا} يعني اليهود، معطوف على {مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ} وهو تمام الكلام، يعني أنَّ المسارعين في الفكر هم طائفة من المنافقين، وطائفة من اليهود.
والمعنى: لا يحزنك يا محمَّد الذين يسارعون في الكفر حالة كونهم من المنافقين الذين أذاعوا الإيمان بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم، وحالة كونهم من الذين هادوا؛ أي: من اليهود.
٤٢ - وقوله:{سَمَّاعُونَ} راجع للفريقين، أو إلى المسارعين، واللام في قوله:{لِلْكَذِبِ} للتقوية أو لتضمين السماع معنى القبول، وسماعون خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هم؛ أي: كل من الفريقين من المنافقين واليهود سماعون؛ أي: كثيروا الاستماع، سماع قبول للكذب الذي يقوله ويفتريه رؤوسائهم وأحبارهم في نعوت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي أحكام دينهم التي يتلاعبون فيها بأهوائهم. وقرأ الحسن وعيسى بن عمر:{لِلْكِذْبِ} بكسر الكاف وسكون الذال، وقرأ زيد بن علي أيضًا:"الكُذُب" بضم الكاف والذال، وجمع كذوب كصبور وصبر؛ أي: سماعون لكذب الكذب {سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ