للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{يَأتُوكَ}؛ أي: هم سماعون أيضًا لكلامك يا محمَّد؛ لأجل إخباره ونقله لقوم آخرين من اليهود، لا يأتونك تكبرًا وبغضًا؛ لأنهم لتكبرهم وبغضهم لك لا يقربون مجلسك ولا يحضرونه، وهم يهود خيبر، زنى فيهم محصنان فكرهوا رجمهما، فبعثوا قريظة ليسألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن حكمهما، وأرسلوا الزانيين معهم، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - برجمهما؛ أي: إنَّ (١) هؤلاء القوم من اليهود لهم صفتان: سماع الكذب من أحبارهم، ونقله إلى عوامهم، وسماع الحق منك ونقله لأحبارهم ليحرفوه فقوله {لِقَوْمٍ}؛ أي: لأجل قوم لا يأتونك؛ أي: فيكونون وسائط بينك وبين قوم آخرين، والوسائط هم قريظة، والقوم الآخرون هم يهود خيبر. وقوله: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ} صفة ثالثة لقوم؛ أي: يسماعون لكلامك لنقله إلى قوم يحرفون ويزيلون ويغيرون ويبدلون كلم التوراة وأحكامها المذكورة فيها. {مِنْ بَعْدِ} أن وضعها الله تعالى وأثبتها فيها عن {مَوَاضِعِهِ}؛ أي: عن مواضع تلك الكلم، فالضمير عائد على لفظ الكلم؛ أي: يحرفون كلم التوراة من بعد وضعه في مواضعه، إما تحريفًا لفظيًّا بإبدال كلمة بكلمة، كما في نعوت محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، أو بإخفائه وكتمانه، كالبشارة بظهوره، ونصره بالرعب، وآية الرجم أو بالزيادة فيه أو بالنقص منه، وإما تحريفًا معنويًّا يحمل اللفظ على غير ما وضع له، وقرىء {الكلم} بكسر الكاف وسكون اللام {يَقُولُونَ}؛ أي: يقول هؤلاء المحرفون - وهم يهود خيبر - لمن أرسلوهم إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليسألوه عن حكم الرجل والمرأة اللذين زنيا منهم، وأرادوا أن يحابوهما بعدم رجمهما، وهم بنو قريظة {إِنْ أُوتِيتُمْ} وأعطيتم {هَذَا} الجلد الذي طلبناه من محمَّد {فَخُذُوهُ}؛ أي: فاقبلوه منه؛ أي: يقول المرسلون - وهم يهود خيبر - لمن أرسلوهم - وهم قريظة - إن أعطاكم محمَّد رخصة بالجلد عوضًا عن الرجم .. فخذوها وارضوا به. {وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ}؛ أي: وإن لم تعطوا هذا الجلد، بأن أفتاكم الرجم {فَاحْذَرُوا} أن تقبلوه، وابتعدوا منه؛ أي: وإن حكم بالرجم فاحذروا قبول ذلك، ولا ترضوا به.


(١) الفتوحات.