للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {فِتْنَتَهُ} وغوايته وضلاله وكفره {فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}؛ أي: فلن تستطيع له أن تدفع عنه شيئًا من أمر الله الذي حكم عليه، وأراد به الذي هو الكفر والضلال؛ أي (١): ومن يرد الله تعالى أن يختبرهُ في دينه، فيظهر الاختبار كفره وضلاله .. فلن تملك له أيها الرسول من الله شيئًا من الهداية والرشد؛ فهؤلاء المنافقون والجاحدون من اليهود قد أظهرت لك فتنة الله واختباره إياهم مقدار فسادهم، فهم يقبلون الكذب دون الحق، وهم محرفون كاتمون لأحكام كتابهم إتباعًا لأهوائهم ومرضاة لرؤسائهم وذوي الجاه منهم، فلا تحزن بعد هذا على مسارعتهم في الكفر، ولا تطمع في جذبهم إلى الإيمان, فإنَّك لا تملك لأحد نفعًا، وإنَّما عليك البلاغ والبيان، ولا تخف عاقبة نفاقهم، فإنَّما العاقبة للمتقين من أهل الإيمان, ولهم الخزي والهوان.

والإشارة بقوله: {أُولَئِكَ} إلى من تقدم ذكرهم من الذين قالوا: {آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ}، {وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا}؛ أي: أولئك المنافقون واليهود هم {الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ}؛ أي: لم يرد تطهيرها من أرجاس الكفر والنفاق، وخبث الضلالة؛ لإنهماكهم فيهما، كما طهر قلوب المؤمنين؛ أي (٢): إنَّ أولئك الذين بلغت منهم الفتنة ذلك المبلغ، هم الذين لم يرد الله تطهير قلوبهم من الكفر والنفاق؛ لأن إرادته إنَّما تتعلق بما اقتضته سننه العادلة في نفوس البشر من أنَّها إذا دأبت على الباطل، ومرنت على الكيد والشر، وألفت الخلاف والضر، تحيط بها خطيئتها، وتطبق عليها ظلمتها .. فلا يبقى لديها لنور الحق منفذ، وتصبح غير قابلة للاستبصار والاعتبار الذي جعله الله وسيلة للاتعاظ والهداية، فهؤلاء الرؤساء من اليهود وأعوانهم لا تقبل طباعهم سواها، فلا تتعلق إرادته سبحانه بتطهير قلوبهم، وإلا كان ذلك خلافًا لما اقتضته سننه، وتبديلًا لنظمه في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلًا".


(١) المراغي.
(٢) المراغي.