سبحانه وتعالى {بِذَاتِ الصُّدُورِ}؛ أي: عالم بالسرائر والضمائر الخفية التي لا تكاد تفارق الصدور، بل تلازمها وتصاحبها، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء. وفي هذا ترغيبٌ، وترهيبٌ، وتنبيهٌ، إلى أنَّ الله سبحانه وتعالى غنيٌّ عن الابتلاء، والامتحان، وإنما يظهر ذلك على هذه الصورة لحكم يعلمها كتمرين المؤمنين على الصبر، وتحمل المشاق وإظهار حال المنافقين؛ لأنَّ الحقائق قد تخفى على أربابها، فينخدعون للشعور العارض بدون تمحيصٍ، ولا ابتلاء كما انخدع الذين تمنوا الموت من قبل أن يلقوه كما تقدم
١٥٥ - {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا} وأدبروا، وهربوا، وانهزموا، {مِنْكُمْ} أيَّها المسلمون {يَوْمَ الْتَقَى} والتحم، وتقاتل {الْجَمْعَانِ}؛ أي: جمع المسلمين، وجمع الكفار، وهو يوم أحد فهو خطاب لمن كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من المؤمنين يوم أحد بأحدٍ، وكان قد انهزم أكثر المسلمين، ولم يبق مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ثلاثة عشر رجلًا، وقيل: أربعة عشر من المهاجرين سبعةٌ ومن الأنصار سبعةٌ، فمن المهاجرين: أبو بكر، وعمر، وعلي، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم والباقون من الأنصار، وهم سبعة: الحباب بن المنذر، وأبو دجانة، وعاصم بن ثابت، والحارث بن الصَّمَّةِ، وسهل بن حنيف، وأسيد بن حضير، وسعد بن معاذ.
{إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ}؛ أي: إنما أوقعهم الشيطان في الزلل والخطيئة، بإلقاء الوسوسة في قلوبهم، لا أنه أمرهم بها {بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا}؛ أي: بسبب بعض ما كسبوا، وعملوا من الذنوب، والعصيان، وهو مخالفة أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بترك المركز والحرص على الغنيمة.
وخلاصة الكلام (١): أنَّ الرماة الذين أمرهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يثبتوا في أماكنهم ليدفعوا المشركين عن ظهور المؤمنين ما تركوا هذه المراكز إلا بإيقاع الشيطان لهم في الزلل، واستجراره لهم بالوسوسة؛ فإن الخطيئة الصغيرة إذا