وظهر وخرج من بينكم {الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ} في اللوح المحفوظ، وانتهت آجالهم، وثبت في علم الله أنهم يقتلون بسببٍ من الأسباب الداعية إلى البروز والخروج {إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} وأماكنهم التي ماتوا فيها عند أحد ومصارعهم ومساقطهم ومقاتلهم التي قدر الله تعالى أنهم يقتلون فيها فتكون لهم مصارع ومضاجع وقتلوا هناك ألبتةً، ولم تنفع العزيمة على الإقامة بالمدينة قطعًا، فإن قضاء الله لا يرد وحكمه لا يعقب.
والخلاصة:(١) أنَّ الحذر لا يدفع القدر، والتدبير لا يقاوم التقدير، فالذين قدر عليهم القتل لا بد أن يقتلوا على كل حال، وإلا انقلب علم الله جهلًا، وذلك محال فقتل من قتل إنما جاء لانتهاء آجالهم، كما قدر ذلك في اللوح المحفوظ، وكتب مع ذلك أنهم هم الغالبون، وأن العاقبة لهم، وأن دين الإسلام سيظهر على الدين كلِّه. وقرأ الجمهور {برز} بالفتح والتخفيف ويقرأ بالتشديد على ما لم يسم فاعله؛ أي: أخرجوا بأمر الله تعالى ذكره أبو البقاء. وقوله:{وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ} معطوف على علةٍ محذوفةٍ لمعلول محذوف تقديره: فرض الله عليكم القتال، ولم ينصركم يوم أحد وفعل بكم فيه ما فعل لحكمةٍ باهرة، ومصالح جمةٍ، وليبتلى الله سبحانه وتعالى، ويختبر ما في صدوركم من الإخلاص، والنفاق، ويظهر ما فيها من السرائر والاعتقادات، {وَلِيُمَحِّصَ} الله سبحانه وتعالى ويصفي ويطهر {مَا فِي قُلُوبِكُمْ} من وساوس الشيطان، والشك والارتياب بما يريكم من عجائب صنعه في إلقاء الأمَنَةِ وصرف العدو عنكم.
وخلاصة الكلام هنا: فعل الله سبحانه وتعالى بكم ما أصابكم يوم أحد من القتل والجراح ليكون القتل عاقبة من انتهت آجالهم، وليمتحن ما في صدور المؤمنين من الإخلاص وعدمه، فيظهر ما انطوت عليه من ضعف وقوة، ويمحص ما في قلوبهم من الوساوس، ويطهرها حتى تصل إلى الغاية القصوى من الإيقان، وفي المثل المشهور:"لا تكرهوا الفتن فإنها حصاد المنافقين". {وَاللَّهُ عَلِيمٌ}