للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أخافها، وهي بهذه المنزلة، ولا تخافون من إشراككم بالله سبحانه؟ وبعد هذا فأخبروني؛ أي: الفريقين أحق بالأمن وعدم الخوف إن كنتم تعلمون بحقيقة الحال، وتعرفون البراهين الصحيحة وتميزونها عن الشبه الباطلة؟

٨٢ - ثم بين سبحانه وتعالى الحقيق بالأمن على سبيل التفصيل، فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}؛ أي: إن الذين آمنوا بالله وحده ولم يشركوا به شيئًا ولم يلبسوا؛ أي: لم يخلطوا إيمانهم بظلم؛ أي: بشرك، ولم ينافقوا في إيمانهم {أُولَئِكَ} الموصوفون بما ذكر {لَهُمُ الْأَمْنُ} يوم القيامة من عذاب النار دون غيرهم {وَهُمْ مُهْتَدُونَ} في الدنيا إلى سبيل الرشاد والصواب ثابتون عليه، وغيرهم على ضلال وجهل. والمراد (١) بالظلم الذي يلبس به المرء إيمانه بالله ويخلطه به: هو الشرك في العقيدة أو العبادة، كاتخاذ ولي من دون الله يدعى معه، أو من دونه، فيعظم كتعظيمه، ويحبه كحبه للاعتقاد أنَّ له نفعًا أو ضرًّا بذاته أو بتأثيره في مشيئة الله وقدرته، لا ظلم الإنسان نفسه بفعل بعض المضار أو ترك بعض المنافع عن جهل أو إهمال، ولا ظلمه لغيره ببعض التصرفات والأحكام. يدل على هذا التفسير ما رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وغيرهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية .. شق ذلك على المسلمين، وقالوا: يا رسول الله، وأيُّنا لا يظلم نفسه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنه ليس ذلك الذي تعنون، إنما هو الشرك، ألم تسمعوا قول لقمان لابنه: {لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}. والمراد بالأمن: الأمن من عذاب الله الذي يحل بمن لا يرضى إيمانه ولا عبادته.

وقرأ مجاهد (٢): {ولم يلبسوا إيمانهم بشرك}، ولعل ذلك تفسير معنى؛ إذ هي قراءة تخالف السواد. وقرأ عكرمة: {ولم يلبسوا} بضم الياء.

٨٣ - {وَتِلْكَ} الحجة الدامغة التي تضمنها البيان السالف التي أوردها إبراهيم عليهم من قوله: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ ...} إلى قوله: {وَهُمْ مُهْتَدُونَ} المثبتة للحق، المزيفة


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.