أجل معين ووقت معلوم، فلا آية من المقترحات بنازلة قبل أوانها، ولا عذاب مما خوفوا به بحاصل في غير وقته، ولا نبوة بحاصلة في غير الزمان المقدر لها، فموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام جاؤوا في أزمنة رأى الله الصلاح في وجودهم فيها، لا يتقدمون عنها ولا يتأخرون، وهكذا انقضاء أعمار الناس ووقوع أعمالهم وآجالهم كلها كتبت في آجال ومدد معينة، لا تقديم فيها ولا تأخير، ونحو الآية قوله تعالى:{لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ}.
فما مثل الدنيا من كواكبها وشمسها وأرضها وزرعها إلا مثل مصنع رتبت أعماله ووضعت عماله في حجر معينة، ووزع بينهم العمل على نظم خاصة في أوقات معينة، ولهم مناهج يتبعونها، فتراهم كل يوم يعملون وينصرفون من أماكنهم ثم يعودون إليها على نهج لا يتغير ولا يتبدل، فالدنيا قد جعل الله لها نظامًا على مقتضى الحقائق الثابتة التي تعلق بها علمه، وعلى هذا النظام جرت الشمس والقمر والكواكب، وظهر النبات والحيوان، وتعاقب الموت والحياة، وظهرت نجوم وفنيت أخرى، ونبت زرع وحصد آخر، ومات نبي وقام آخر، وامتد دين وانتشر وتقلص دين ونسخ.
٣٩ - وكل كوكب من الكواكب التي تصلح للحياة كأرضنا كأنه صحيفة يكتب فيها ويمحى، وذلك تابع لما في المنهج الأصلي، ومن ثم تتعاقب الأمم والأجيال والدول والنظم على قطر كمصر، فيتعاقب عليه قدماء المصريين واليونان والرومان، ولا شك أن كل هذا محو وإثبات على مقتضى المنهج المرسوم، وهكذا تنسخ آية من القرآن ويؤتى بغيرها، كما ينسخ زرع بزرع وليل بنهار، وقوم بقوم ودين نبي بآخر في ميقاته المعين في علمه تعالى، وهذا ما عناه سبحانه وتعالى بقوله:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ} محوه {وَيُثْبِتُ} ما يشاء إثباته، فينسخ (١) ما يستصوب نسخه، ويثبت بدله ما هو خير منه أو مثله، ويترك ما تقتضيه حكمته غير منسوخ، أو يمحو سيئات التائب ويثبت الحسنات مكانها.