سلك كلا الطريقين ترغيبًا وترهيبًا، ومن (١) هذا تبين من الهداية هي الدلالة على ما يوصل إلى البغية، لا الدلالة الموصلة إليها قطعًا، وإن المراد بالوجوب المفهوم من على الوجوب بموجب القضاء ومقتضى الحكمة، فلا تكون الآية بظاهرها دليلًا على وجوب الأصلح عليه تعالى، كما جزءًا المعتزلة، قال الفراء: من علينا للهدى والإضلال، فحذف الإضلال، كقوله:{سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} وقيل: المعنى: من علينا ثواب هداه الذي هديناه.
والخلاصة: أي إنّا خلقنا الإنسان وألهمناه التمييز بين الحق والباطل وبين الخير والشر، ثم بعثنا له الكملة من أفراده وهم الأنبياء، وشرعنا لهم الأحكام، وبينا لهم العقائد تعليمًا وارشادًا، ثم هو بعد ذلك يختار أحد السبيلين سبيل الخير والفلاح، والسبيل المعوج، فيتردى في الهاوية.
وقصارى ذلك: من الإنسان خلق نوعًا ممتازًا من سائر الحيوان بما أوتيه من العقل، وبما وضع له من الشرائع التي تهديه إلى سبيل الرشاد،
١٣ - ثم زاد الأمر توكيدًا، فأبان عظم قدرته، فقال: {وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (١٣)}؛ أي: وإن لنا التصرف الكلي فيهما كيفما نشاء من الأفعال التي من جملتها ما وعدنا من التيسير لليسرى، والتيسير للعسرى، أو المعنى: من لنا كل ما في الآخرة وكل ما في الدنيا نتصرف فيه كيف نشاء، فمن أرادهما أو إحداهما .. فليطلب ذلك منا، ومن طلبهما من غير مالكهما .. فقد أخطأ، وقيل المعنى: من لنا ثواب الآخرة وثواب الدنيا.
والخلاصة: أي وإنا لنحن المالكون لكل ما في الدنيا وكل ما في الآخرة، فنهب ما نشاء لمن نريد، ولا يضرنا من يترك بعض عبادنا الاهتداء بهدينا الذي بيناه لهم، ولا يزيد في ملكنا اهتداء من اهتدى منهم؛ لأن نفع ذلك وضره عائد إليهم، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما حصل عليها، وما ربك بظلام للعبيد.
وإذا كان مُلْك الحياتين لله .. كان هديه هو الذي يجب أن اتابعه فيهما؛ لأن المالك لأمر هو العالم بوجوه التصرف فيه،