وهذا من أقوى الدلائل على كمال القدرة، إذ فيه توليد الضد من الضد. ففيه توليد النار من الماء.
وانظر أيضًا إلى اختلاف الليل والنهار، وتقلبهما بزيادة أحدهما ونقص الآخر، وإلى تغير أحوالهما بالحرارة والبرودة، إن في هذا لعبرة لمن اعتبر، وعظة لمن تأمل فيه، ممن له عقل. فهو واضح الدلالة على أن له مدبرًا ومقلبًا لا يشبهه شيء. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار". أخرجه البخاري ومسلم.
٤٥ - {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {خَلَقَ} وأوجد {كُلَّ دَابَّةٍ}؛ أي: كل حيوان يدب ويمشي على الأرض، والدابة كل ما يحرك أمامه قدمًا، ويدخل فيه الطير. اهـ من "البحر".
{مِنْ مَاءٍ}؛ أي (١): من الماء، الذي هو أحد جزء مادته؛ أي: أحد العناصر الأربعة، على أن يكون التنوين فيه للوحدة الجنسية، فدخل فيه آدم المخلوق من تراب، وعيسى المخلوق من روح، أو خلقها من ماء مخصوص، الذي هو النطفة؛ أي: ماء الذكر والأنثى على أن يكون التنوين للوحدة النوعية، فيكون تنزيلًا للغالب منزلة الكل، إذ من الحيوان ما يتولد لا عن نطفة.
قال في "الكواشي": تنكير ماء مؤذن أن كل دابة مخلوقة من ماء مختص بها، وهو النطفة، فجميع الحيوان سوى الملائكة والجن مخلوق من نطفة، وتعريف الماء في قولى تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} نظرًا إلى الجنس الذي خلق عنه جميع الحيوان؛ لأن أصل جميع الخلق من الماء.
وعبارة أبي حيان هنا: فإن قلت: لم نكر الماء هنا، وعرفه في قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}؟