السلام، لما حضرته الوفاة، قال لابنيه: - آمركما بسبحان الله وبحمده؛ فإنّها صلاة كل شيء وبها يرزق كل شيء -».
تنبيه: وهذا المعنى الذي ذكرناه من أنّ المراد من تسبيح كل شيء: الدَّلالة على الخالق ما عليه الزمخشري، والبيضاوي، وأبو السعود، ومن يليهم من أهل الظاهر، وهم الذين لهم عين واحدة، وسمع واحد، وقال الشيخ علي السمرقندي - رحمه الله - في «بحر العلوم»: ذهب السلف الصالح، إلى أنّ التسبيح في الآية في المحلّين محمول على حقيقته، وهو الأصح، فإنه إن كان كلام الجماد مسلما، فينبغي أن يكون تسبيحه أيضًا مسلّما، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنّي لأعرف حجرا بمكة، كان يسلم عليَّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن» وعن ابن مسعود، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل، على أنَّ شهادة الجوارح والجلود مما نطق به القرآن الكريم، وعن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله تعالى: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨)}. كان داود إذا سبح جاوبتهُ الجبالُ بالتسبيح، وقال مجاهد (١): كُلُّ الأشياء تسبح الله حيًّا كان أو جمادًا، وتسبيحها: سبحان الله وبحمده.
وعن المقداد بن معديكرب: إنَّ التُّراب يسبح ما لم يبتلَّ، والخريزة تسبح ما لم ترفع من موضعها، والورق ما دام على الشجر، والماءَ ما دام جاريًا، والثوب ما دام جديدًا، فإذا اتسخ ترك التسبيح، والوحش، والطير إذا صاحت، فإذا سكتت تركت التسبيح، وفي الحديث عن السدي:«ما اصطيد حوت في البحر، ولا طائر يطير إلا بما يضيّع من تسبيح الله» كما في تفسير «المدارك للنسفي».
٤٥ - ولما فرغ سبحانه من الإلهيات شرع في ذكر بعض من آيات القرآن، وما يقع من سامعيه فقال:{وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ}؛ أي: وإذَا قرأت أيُّها الرسول القرآن على هؤلاء المشركين، الذين لا يصدقون بالبعث، ولا يقرُّون بالثواب، والعقاب، {جَعَلْنا بَيْنَكَ} يا محمد {وَبَيْنَ} هؤلاء المشركين {الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجابًا}