التي هي نصب أعينهم، يستعملونها كل حين، أنها كيف خلقت خلقًا بديعًا معدولًا به عن سنن خلقة سائر أنواع الحيوانات في عظم جثتها، وشدة قوتها، وعجيب هيئتها اللائقة بتأتي ما يصدر عنها من الأفاعيل الشاقة، كالنهوض من الأرض بالأوقار الثقيلة، وجر الأثقال الفادحة إلى الأقطار النازحة، وفي سيرها على الجوع والعطش، حتى إن ظمأها ليبلغ العشر فصاعدًا واكتفاءها ورعيها بكل ما تيسر من شوك شجر، وغير ذلك مما لا يكاد يرعاه سائر البهائم، وفي انقيادها مع ذلك للإنسان في الحركة والسكون، والبروك والنهوض؛ حيث يستعملها في ذلك كيفما يشاء، ويقتادها بقطارها كل صغير وكبير، وتبول من خلفها؛ لأن قائدها أمامها، فلا يترشش عليه بولها، وعنقها سلم إليها، وتتأثر من المودة والغرام، وتسكر منها إلى حيث تنقطع عن الأكل والشرب زمانًا ممتدًا، وتتأثر من الأصوات الحسنة والحداء، وتسير من كمال التأثر إلى حيث تهلك نفسها من سرعة الجري، ويجري الدمع من عينها عشقًا وغرامًا، إلى غير ذلك كما مر كثير من ذلك آنفًا.
١٨ - {وَإِلَى السَّمَاءِ} التي يشاهدونها كل لحظة بالليل والنهار {كَيْفَ رُفِعَتْ} فوق الأرض رفعًا سحيق المدى بلا عماد ولا مساك، بحيث لا يناله اللهم، ولا يدركه العقل.
١٩ - {وَإِلَى الْجِبَالِ} التي ينزلون في أقطارها، وينتفعون بمياهها وأشجارها {كَيْفَ نُصِبَتْ} نصبًا رصينًا، ووضعت وضعًا ثابتًا لا ميدان فيه ولا اضطراب، فيتسنى ارتقاؤها في كل حين، وتجعل أمارة للسالكين في تلك الفيافي والقفار، وتنزل عليها المياه التي ينتفع بها في سقي النبات وري الحيوان. وقال أبو الليث: كيف وضعت على الأرض أوتادًا لها. انتهى.
٢٠ - {وَإِلَى الْأَرْضِ} التي يضربون فيها، ويتقلبون عليها {كَيْفَ سُطِحَتْ} ومهدت وبسطت على ظهر الماء بسطًا حسبما يقتضيه صلاح أمور ساكنها، وانتفاعهم بما في ظاهرها من المنافع، وما في باطنها من المعادن.
والاستدلال بكونها مسطوحة على عدم كونها كرة، مجاب بأن الكرة إذا كانت عظيمةً جدًّا يكون كل قطعة منها كالسطح، فيصح أن يطلق عليها البسط، ففرق بين كرة وكرة، كما أنه فرق بين بيض الحمامة وبيض النعامة.