الرِعاء بالكسر فقياس، كصيام وقيام. انتهى، قلتُ وليس بقياس, لأنه جمع راع، وقياس فاعل الصفة للعاقل أن تُكسر على فُعلة، كقاض وقضاة، وما سوى جمعه هذا، فليس بقياس، وقرىء {الرعاء} بضم الراء، وهو اسم جمع كالرحال والثناء، قال أبو الفضل الرازي، وقرأ عياش عن أبي عمرو:{الرعاء} بفتح الراء وهو مصدر أقيم مقام الصفة، فاستوى لفظ الواحد والجماعة فيه، وقد يجوز أنه حذف منه المضاف.
وقولهما:{وَأَبُونَا} وهو شعيب عليه السلام {شَيْخٌ كَبِيرٌ} السن, أو القدر والشرف، لا يستطيع أن يخرج، فيرسلنا للرعي والسقي اضطرارًا، اعتذار إلى موسى عن مباشرتهما السقي بأنفسهما, وتنبيه على أن أباهما لا يقدر على السقي لشيخوخته وكبره، واستعطاف لموسى في إعانتهما.
٢٤ - {فَسَقَى لَهُمَا} ماشيتهما رحمة عليهما، وطلبًا لوجه الله تعالى، قيل: عمد موسى إلى بئر على رأسه صخرة، لا يرفعها إلا عشرة رجال، فنحاها بنفسه، واستقى الماء من ذلك البئر، روي (١) أن الرجال كانوا يضعون على رأس البئر حجرًا لا يرفعه إلا سبعة رجال، أو عشرة أو أربعون، فرفعه وحده، مع ما كان به من الوصب والجوع وجراحة القدم، ولعله زاحمهم في السقي لهما فوضعوا الحجر على البئر لتعجيزه عن ذلك، وهو الذي يقتضيه سوق النظم الكريم.
{ثُمَّ} بعد فراغه من السقي {تَوَلَّى}؛ أي: أعرض وانصرف موسى {إِلَى الظِّلِّ}؛ أي: ظلُّ سَمْرةٍ هناك، فجلس فيه ليستريح من حر الشمس، وهو جائع لم يذق طعامًا سبعة أيام، والظل هو المكان الذي لم يقع عليه شعاع الشمس {فَقَالَ} يا {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ}؛ أي: إلى ما تنزله إلى من خير، واللام بمعني إلى متعلق بـ {فَقِيرٌ}؛ و {أَنْزَلْتَ} بمعنى المضارع, {مِنْ خَيْرٍ} بيان لـ {ما}{فَقِيرٌ} خبر {إن}، والمعنى: يا إلهي إني محتاج فقير إلى ما تنزله إلى من خزائن جودك ورزقك أي رزق كان, ولو شق تمرة.