للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: إن الخطاب في قوله: {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ} لنبينا محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، فيكون الوقف على قوله من الذين كفروا تامًّا، والابتداء بما بعده، وجاز هذا لدلالة الحال عليه؛ أي: جاعلهم قاهرين لهم إلى يوم القيامة يعني: أنهم ظاهرون على اليهود وغيرهم من الكفار بالغلبة في الدنيا؛ فأما يوم القيامة .. فيحكم الله بينهم، فيدخل الطائع الجنة، والعاصي النار، وليس المعنى على انقطاع ارتفاع المؤمنين على الكافرين بعد الدنيا وانقضائها؛ لأن لهم استعلاء آخر غير هذا الاستعلاء.

{ثُمَّ} بعد انقضاء الدنيا، وقيام الساعة {إِليَّ} لا إلى غيري {مَرْجِعُكُمْ}؛ أي: رجوعكم ومصيركم إليَّ بالموت والبعث، والخطاب لعيسى ومن آمن معه ومن كفر به، وغلب المخاطبين على الغائبين. {فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} يومئذٍ {فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}؛ أي: فيما اختلفتم فيه من أمور الدين.

٥٦ - ثم بيَّن جزاء المحق والمبطل وكيفيته فقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} وكذبوك، وهم اليهود {فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} بإذلالهم بالقتل والأسر والجزية وتسليط الأمم عليهم {و} في {الآخرة} بالنار، ولعذاب الآخرة أشد وأنكى {وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}؛ أي: مانعين من عذاب الله في الدنيا والآخرة.

٥٧ - {وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا} باللهِ والكتاب، وبنبوة عيسى، وبنبوة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فيما بينهم وبين ربهم؛ بأن امتثلوا الأوامر، واجتنبوا النواهي {فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ}؛ أي: يعطيهم الله تعالى أجور أعمالهم وثوابها في الجنة موفرًا كاملًا غير منقوص.

{وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}؛ أي: لا يريد إيصال الخير إلى المشركين، أو المعنى: والله لا يحب من ظلم غيره حقًّا له، أو وضع شيئًا في غير موضعه، فكيف بظلم عباده له؟ فهو يجازيه بما يستحق، وفي هذا وعيد منه للكافرين به وبرسله، ووعد منه للمؤمنين به وبرسله، وفي هذه (١) الآية قال: {فَيُوَفِّيهِمْ} بالياء على قراءة حفص ورويس وذلك على سبيل الالتفات والخروج من ضمير المتكلم


(١) البحر المحيط.