وخلاصة ذلك: أبعد ظهور ما بينهما من تفاوت بين، يظن أن المؤمن الذي حكيت أوصافه، كالكافر الذي ذكرت قبائح أعماله؟ كلا، إن الفصل بينهما لا يخفى على ذي عينين.
وبعد أن نفى استواءهما، أتبعه بذكر حال كل منهما على سبيل التفصيل، فقال:{أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا} بالله ورسوله وصدقوهما {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}؛ أي: عملوا الأعمال الصالحة، بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي، {فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى}؛ أي: مساكن فيها البساتين والدور والغرف العالية.
وفي "الإرشاد"(١) أضيفت الجنة إلى المأوى؛ لأنها الفتاوى الحقيقي، وإنما الدنيا منزل مرتحل عنه لا محالة، ولذلك سميت قنطرةً؛ لأنها معبر للآخرة لا مقر، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: جنة المآوى كلها من الذهب، وهي إحدى الجنان الثمان، التي هي دار الجلال، ودار القرار، ودار السلام، وجنة عدن، وجنة المأوى، وجنة الخلد، وجنة الفردوس، وجنة النعيم.
وقرأ الجمهور:{جَنَّاتُ} بالجمع.
حالة كون تلك الجنات {نُزُلًا}، لهم؛ أي: ثوابًا وأجرًا يكرمون به، كما يكرم الضيف بما يعد له من الطعام النفيس، والنزل، بضمتين في الأصل: ما يعد للنازل والضيف من طعام وشراب، كما سيأتي، ثم صار عامًا في كل عطاء؛ أي: فلهم جنات المأوى {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}؛ أي: بسبب أعمالهم الحسنة، التي عملوها في الدنيا نزلًا وجزاءً لهم عليها.