والمعنى: أي فلا تطع الكافرين فيما يدعونك إليه من موافقتهم على مذاهبهم وآرائهم، وجاهدهم بالشدة والعنف، لا بالملاينة والمداراة؛ لتكسب ودّهم ومحبتهم، وعظهم بما جاء به القرآن من المواعظ والزواجر، وذكّرهم بأحوال الأمم المكذبة لرسلها، وذلك منتهى الجهاد الذي لا يقادر قدره، ونحو الآية قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}.
والخلاصة: أنك مبعوث إلى الناس كافة لتنذرهم ما بين أيديهم وما خلفهم، فاجتهد في دعوتك، ولا تتوان فيها, ولا تحفل بوعيدهم، فإن الله ناصرك عليهم ومظهر دينك على الدين كله ولو كره المشركون.
٥٣ - ورابع الأدلة: ما ذكره بقوله: {وَهُوَ} سبحانه وتعالى الإله {الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ}؛ أي: خلاهما (١) وأرسلهما، وأجراهما في مجاريهما متلاصقين بحيث لا يتمازجان، ولا يلتبس أحدهما بالآخر.
وجملة قوله:{هَذَا عَذْبٌ} إما مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: كيف مرجهما؟ فقيل: هذا عذب، وهذا ملح، أو في محل نصب على الحال من {الْبَحْرَيْنِ} بتقدير القول؛ أي: هو الذي مرج البحرين حال كونهما مقولًا في حقهما: {هَذَا}؛ أي: أحدهما {عَذْبٌ}؛ أي: حلو طيب {فُرَاتٌ}؛ أي: سائغ قاطع للعطش لغاية عذوبته صفة {عَذْبٌ} والتاء فيه أصلية وهذا أي: الآخر {مِلْحٌ}؛ أي: مرّ {أُجَاجٌ}؛ أي: زعاق بليغ الملوحة، صفة {مِلْحٌ}، وقرأ طلحة وقتيبة عن الكسائي {مَلِح} بفتح الميم وكسر اللام، وكذا في فاطر {وَجَعَلَ}: عطف على الصلة {بَيْنَهُمَا}؛ أي: بين البحرين العذب والملح {بَرْزَخًا}؛ أي: حاجزًا وحائلًا من قدرته سبحانه غير مرئي {وَحِجْرًا}؛ أي: سترًا {مَحْجُورًا}؛ أي: ممنوعًا به تغيير أحدهما طعم الآخر، وهو صفة مؤكدة لـ {حِجْرًا} كليل أليل ويوم أيوم. وقيل: هذه كلمة استفادة كما سبق في هذه السورة. والمعنى هاهنا على التشبيه؛ أي: تنافرًا بليغًا، كأن كلاً منهما يتعوذ من الآخر