كافرين، لا يحيي بعضهم بعضًا بالسلام الذي هو تحية المسلمين.
٢٦ - {فَرَاغَ} إبراهيم؛ أي: مال {إِلَى أَهْلِهِ} وخدمه الذين كانت عندهم البقرة، وكانت عامة ماله البقرة، فالمراد بأهله: خدمه، وهم الرعاة، فالاختفاء معتبر في مفهوم الروع؛ أي: ذهب في أثناء حديثه معهم إلى أهله وخدمه على خفية من ضيفه، فإنّ من أدب المضيّف أن يبادر بالقرى من غير أن يشعر به الضيف، حذرًا من أن يكفّه الضيف، ويعذره أو يصير منتظرًا.
وقوله:{فَجَاءَ} إبراهيم ضيفه {بِعِجْلٍ} أي: بولد بقر {سَمِينٍ}؛ أي: غير هزيل مشويّ بالحجارة، معطوف على جمل محذوفة، و {الباء}: للتعدية؛ أي: فراغ إلى أهله، فذبح عجلًا سمينًا، فحنذه؛ أي: شواه، فجاء به ضيفه، والعجل: ولد البقر لتصوّر عجلته التي تعدم منه إذا صار ثورًا، أو بقرةً، واختاره؛ لأنّه كان عامّة ماله البقر، واختار السمين؛ مبالغة في إكرامهم.
٢٧ - {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ}؛ أي: فجاء إبراهيم بعجل حنيذ، فقرّب العجل إليهم وقدّمه لهم، بأن وضعه لديهم حسبما هو المعتاد ليأكلوه، فلم يأكلوه، ولمّا رأى منهم ترك الأكل .. {قَالَ} لهم إبراهيم: {أَلَا تَأْكُلُونَ} منه إنكارًا لعدم تعرّضهم للأكل، وحثًّا عليه، و {أَلَا} هنا بالخفيف: حرف عرض، وهو الطلب برفق ولين، وهو الصواب، وقيل: الهمزة في {أَلَا}: للاستفهام الإنكاري، و {لا}: نافية كما في "الشوكاني". والأوّل أولى، بل أصوب.
وروي: أنهم قالوا: نحن لا نأكل بغير ثمن، قال إبراهيم: كلوا، وأعطوا ثمنه، قالوا: وما ثمنه؟ قال: إذا أكلتم .. فقولوا: بسم الله، وإذا فرغتم .. فقولوا: الحمد لله، فتعجّب الملائكة من قوله.
٢٨ - {فـ} لما رآهم لا يأكلون {أَوْجَسَ مِنْهُمْ}؛ أي: فلمّا رآهم لا يأكلون .. أضمر في نفسه {خِيفَةً}؛ أي: خوفًا منهم، فتوهّم أنهم لصوص أو أعداء جاؤوا بالشر، فإنّ عادة من يجيء بالشر والضرر أن لا يتناول من طعام من يريد إضراره، قال في "عين المعاني": من لم يأكل طعامك .. لم يحفظ ذمامك.