للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لاحظ الاسم الغائب في قوله: {ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}.

١١٥ - وبعد أن وعد الله سبحانه وتعالى بالجزاء الحسن لمن فعل ذلك ابتغاء مرضاة الله تعالى، أوعد الذين يتناجون بالشر، ويبيتون ما يكيدون به للناس فقال: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} محمدًا - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: يخالفه بارتداده عن الإِسلام، وإظهار عداوته له، كطعمة بن أبيرق، {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى}؛ أي: من بعد ما ظهرت له الهداية على لسان الرسول، وقامت عليه الحجة {وَيَتَّبِعْ} سبيلًا {غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}؛ أي: غير سبيل الموحدين .. {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى}؛ أي: نجعله واليًا لما تولى من الضلال، ومباشرًا له، ونخلي بينه وبين ما اختاره، ونتركه وما اختاره لنفسه في الدنيا، ونكله إلى ما توكل إليه، {وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ}؛ أي: وندخله في الآخرة نار جهنم فيحترق فيها، {وَسَاءَتْ مَصِيرًا}؛ أي: قبحت جهنم مرجعًا له، والمخصوص بالذم هي. وقرىء (١): {ونصله} بفتح النون، من صلاه، وقرأ ابن أبي عبلة: {يوله} و {يصله} بالياء فيهما، جريًا على قوله: {فسوف يؤتيه} بالياء، وفي هاء {نُوَلِّهِ} و {نصله} الإشباع والاختلاس والإسكان.

وفي هذه الآية (٢): بيان لسنة الله في عمل الإنسان، وإيضاح لما أوتيه من الإرادة والاستقلال والعمل بالاختيار، فالوجهة التي يتولاها ويختارها لنفسه يوليه الله إياها؛ أي: يجعله واليًا لها، وسائرًا على طريقها، فلا يجد من القدرة الإلهية ما يجبره على ترك ما اختاره لنفسه، بحسب الاستعداد والإدراك وعمل ما يرى أنه خير له وأنفع في عاجله أو آجله، أو فيهما معًا، ثم ندخله جهنم ونعذبه أشد العذاب؛ لأنه استحب العمى على الهدى، وعاند الحق، واتبع الهوى، وما أقبحها عاقبة لمن تفكر وتدبر، وقد اشترط في هذا الوعيد أن يتبين له الهدى، أما من لم يتبين له فلا يدخل فيه، وهم أصناف:

فمنهم: من نظر في الدليل ولم يظهر له الحق، وبقي متوجهًا إلى طلبه


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.