للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الناس، فيقول خيرًا أو ينمي خيرًا" متفق عليه، زاد مسلم في رواية له قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس، إلا في ثلاث: يعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل زوجته، وحديث المرأة زوجها.

{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} المذكور من الأمور الثلاثة: الصدقة والمعروف والإصلاح؛ أي: فعل واحدًا من هذه الثلاثة أو كلها؛ لأنه لما ذكر أولًا أن الخير في مَنْ أمر .. ذكر هنا ثواب من فعل، ويحتمل كون المعنى: ومن يفعل ذلك المذكور من الأمر بواحد من هذه الثلاثة فكأنه قال: ومن يأمر بذلك المذكور {ابتغاء مرضاة الله}؛ أي: لأجل طلب رضوان الله سبحانه وتعالى، لا لغرض دنيوي، كالرياء والسمعة والمحمدة .. {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ}؛ أي: فسوف يعطي الله سبحانه وتعالى ذلك الفاعل في الآخرة {أَجْرًا عَظِيمًا} وثوابًا جسيمًا وأجرًا جزيلًا، جزاء على عمله ذلك، وهذه الآية من أقوى الدلائل على أن المطلوب من الأعمال الظاهرة رعاية أحوال القلب في إخلاص النية، وتصفية القلب عن داعية الالتفات إلى غرض سوى رضوان الله تعالى.

والخلاصة: أن ابتغاء مرضاة الله تعالى إنما يكون بالإخلاص، وعدم إرادة السمعة والرياء، كما يفعل المتأخرون من الأغنياء والدول، خصوصًا في هذا العصر الفاسد أهله، تصدقنا كذا وكذا، ومنحنا كذا وكذا، وساعدنا كذا وكذا، وبنينا المساجد والقناطر كذا وكذا، وأنفقنا في كذا من الخيرات ملايين كذا وكذا، فهؤلاء إنما يبتغون الربح بما يبذلون أو يعملون، لا مرضاة الله تعالى، ولذلك يشق عليهم أن يكون عملهم خفيًّا، وأن يخلصوا في الحديث عنه نجيًّا؛ لأن الاستفادة منه بجذب القلوب إليهم، وتسخير الناس لخدمتهم، ورفعهم لمكانتهم، إنما تكون بإظهاره لهم، ليتعلق الرجاء فيهم. وقرأ أبو عمرو وحمزة (١): {يؤتيه} بالياء، والباقون بالنون، على سبيل الالتفات، ليناسب ما بعده من قوله: {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ} فيكون إسناد الثواب والعقاب إلى ضمير المتكلم العظيم، وهو أولى من إسناده إلى ضمير الغائب، ومن قرأ بالياء ..


(١) البحر المحيط.