للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}.

ثم أمرهم بالإسلام له والانقياد لطاعته وعبادته فقال: {فَلَهُ} سبحانه لا لغيره؛ لأن تقديم الجار والمجرور على الفعل للقصر، والفاء فيه للأفصاح؛ أي: فإذا كان إلهكم إلهًا واحدًا فله {أَسْلِمُوا}؛ أي: استسلموا لحكمه، وانقادوا له في جميع ما كفلكم به، وأخلصوا له العمل، واجعلوا التقرب أو الذكر خالصًا لوجهه الكريم، ولا تشوبوه بالإشراك. وفي "التأويلات النجمية": والإسلام يكون بمعنى الإخلاص، والإخلاص تصفية الأعمال من الآفات. ثم تصفيه الأخلاق من الكدورات، ثم تصفية الأحوال من الإلتفاتات، ثم تصفية الأنفاس من الأغيار انتهى.

ثم أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يبشر المخبتين، فقال: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ}؛ أي: وبشر أيها الرسول الكريم، الخاضعين لله بالطاعة، المذعنين له بالعبودية، المنيبين إليه بالتوبة، بما أعد لهم من جزيل ثوابه وجليل عطائه. مأخوذٌ من الخبت، وهو المنخفض من الأرض. وقيل: إن المخبتين هم الذين لا يظلمون غيرهم، وإذا ظلمهم غيرهم لم ينتصروا، ولا يخفى حسن التعبير بالمخبتين هنا، من حيث إن نزول الخبت مناسب للحجاج، لما فيهم من صفات المتواضعين، كالتجرد عن اللباس، وكشف الرأس، والغربة عن الأوطان، ولذا وصفهم بالصبر، وذكر إقامة الصلاة؛ لأن السفر مظنة التقصير فيها. اهـ. "شهاب".

٣٥ - ثم وصف سبحانه هؤلاء المخبتين، وبين علاماتهم فقال: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى؛ أي: ذكروه أو ذكره غيرهم {وَجِلَتْ}؛ أي: خافت منه تعالى. {قُلُوبُهُمْ} وحذرت مخالفته لإشراق أشعة جلاله عليها، وطلوع أنوار عظمته لها، وحصول الوجل منهم، عند الذكر له سبحانه، دليل على كمال يقينهم وقوة إيمانهم. ووصفهم أيضًا بالصبر، فقال: {وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ} من المصائب والنوائب، ومن التكاليف والمحن في طاعة الله تعالى.

قال في "بحر العلوم": الذين صبروا على البلايا والمصائب من مفارقة أوطانهم، وعشائرهم، ومن تجرع الغصص والأحزان، واحتمال المشاق والشدائد