للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الذنب بالتوبة، ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه الأمور.

قال عبد الله بن المبارك (١): هذه ثمان خلال مشيرة إلى أبواب الجنة الثمانية.

قلت: إنما هي تسع خلال، فيحتمل أنه عد خلتين بواحدة. ولما ذكر الله سبحانه وتعالى هذه الخلال من أعمال البر .. ذكر بعدها ما أعد للعاملين بها من الثواب، فقال تعالى: {أُولَئِكَ} الذين وصفناهم بتلك المحاسن والكمالات التي بلغت الغاية في الشرف والكمال هم الذين {لَهُمْ} {عُقْبَى الدَّارِ}؛ أي: العقبى الحسنة والمرجع الحسن والمسكن الطيب في الدار الآخرة، وسميت الدار الآخرة عقبى؛ لأنها عاقبة الدنيا ومرجع أهلها. والعقبى: مصدر (٢) كالعاقبة، والمراد بالدار الدنيا وعقباها الجنة، وقيل: المراد بالدار: الدار الآخرة وعقباها الجنة للمطيعين، والنار للعاصين.

٢٣ - ثم بين هذه العقبى، فقال: {جَنَّاتُ عَدْنٍ} بدل من {عُقْبَى الدَّارِ}؛ أي: لهم جنات عدن، أو خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: تلك العقبى هي جنات عدن وإقامة مؤبدة، والعدن: أصله الإقامة، ثم صار علمًا لجنة من الجنان، ولكن المراد به هنا المعنى العام، وجملة قوله: {يَدْخُلُونَهَا} صفة لـ {جَنَّاتُ عَدْنٍ}؛ أي: تلك العقبى جنات عدن يدخلونها؛ أي: يدخل هؤلاء الموصوفون بالصفات السابقة تلك الجنات، ويخلدون فيها لا يخرجون منها بعد الدخول أبدًا.

ثم ذكر ما يكون فيها من الأنس باجتماع الأهل والمحبين الصالحين، فقال: {وَمَنْ صَلَحَ} معطوف على الضمير المرفوع في {يَدْخُلُونَهَا} وإنما ساغ للفصل بالضمير؛ أي: يدخل تلك الجنات هؤلاء الموصوفون بالصفات الحميدة، ويدخلها معهم من صلح وآمن معهم كما آمنوا {مِنْ آبَائِهِمْ}؛ أي: من أصولهم، وإن علوا ذكورًا كانوا أو إناثًا. قال في "بحر (٣) العلوم" وآبائهم: جمع أبوي كل


(١) الخازن.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.