للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهيئاتها احتسابًا لوجهه، وأفردها (١) بالذكر تنبيهًا على كونها أشرف من سائر العبادات، ولا يمتنع إدخال النوافل فيها {وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} أي: وأنفقوا بعض ما زرقناهم {سِرًّا} فيما بينهم وبين ربهم لمن لم يعرف بالمال، أو لمن لا يتهم بترك الزكاة، أو عند إعطائه من تمنعه المروءة من أخذه ظاهرًا أو في التطوع {وَعَلَانِيَةً} بحيث يراهم الناس لغير ذلك سواء كان الإنفاق واجبًا كالإنفاق على الزوجة والولد والأقارب والفقراء وفي الزكاة، أو مندوبًا كالإنفاق على الفقراء والمحاويج من الأجانب.

وقال الحسن (٢): والمراد بهذا الإنفاق الزكاة المفروضة، فإن لم يتهم بترك أداء الزكاة، فالأولى أن يؤديها سرًّا، وإن كان متهمًا بترك أداء الزكاة، فالأولى أن يؤديها علانية، وقيل: إن المراد بالسر: ما يخرج من الزكاة بنفسه، والمراد بالعلانية: ما يؤديه إلى الإمام، وقيل: المراد بالسر: صدقة التطوع، وبالعلانية: الزكاة الواجبة، وحَمْلُهُ على العموم أولى كما فسرنا ذلك آنفًا، وانتصابهما (٣) على الحال؛ أي: ذوي سر وعلانية بمعنى مسرين ومعلنين، أو على الظرف؛ أي: وقتي سر وعلانية، أو على المصدر؛ أي: إنفاق سر وعلانية كما سيأتي في مبحث الإعراب إن شاء الله تعالى.

واعلم: أن الله تعالى أسند الإنفاق إليهم، وإعطاء الرزق إلى ذاته تعالى، تنبيهًا على أنهم أمناء الله فيما أعطاهم ووكلاؤه، والوكيل دخيل في التصرف لا أصيل، فينبغي له أن يلاحظ جانب الموكل لا جانب نفسه ولا جانب الخلق، وقد قالوا: من طمع في شكر أو ثناء فهو بياع لا جواد؛ لأنه اشترى المدح بماله، والمدح لذيذ مقصود في نفسه، والجود. هو بذل الشيء من غير غرض. {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} أي: يدفعون سيئة من أساء إليهم بالإحسان إليه، كما في قوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، أو يدفعون بالعمل الصالح العمل السيء، أو يدفعون الشر بالخير، أو المنكر بالمعروف، أو الظلم بالعفو، أو


(١) المراح.
(٢) الخازن.
(٣) روح البيان.