للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأمراض والمضار والغموم وعلى ترك المشتهيات {ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ}؛ أي: طلبًا لرضا ربهم من غير أن ينظروا إلى جانب الخلق رياء وسمعة، ولا إلى جانب النفس زينة وعجبًا، فكما أن العاشق يرضى بضرب معشوقه لالتذاذه بالنظر إلى وجهه، فكذلك العبد يرضى بالمحنة لاستغراقه في معرفة الله تعالى ومحبته.

وإنما (١) قيد الصبر بقوله: {ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ}؛ لأن الصبر ينقسم إلى نوعين:

الأول: الصبر المذموم؛ وهو أن الإنسان قد يصبر ليقال ما أكمل صبره وأشد قوته على ما تحمل من النوازل، وقد يصبر لئلا يعاب على الجزع، وقد يصبر لئلا تشمت به الأعداء، وكل هذه الأمور وإن كان ظاهرها الصبر، فليس ذلك داخلًا تحت قوله: {ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} لأنها لغير الله تعالى.

النوع الثاني: الصبر المحمود؛ وهو أن يكون الإنسان صابرًا لله تعالى راضيًا بما نزل به من الله طالبًا في ذلك الصبر ثواب الله محتسبًا أجره على الله، فهذا هو الصبر الداخل تحت قوله: {ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} يعني: صبروا على ما نزل بهم تعظيمًا لله تعالى، وطلبًا لرضوانه سبحانه، وجاءت (٢) الصلة هنا بلفظ الماضي، وفي الموصولين قبل بلفظ المضارع في قوله: {الَّذِينَ يُوفُونَ}، {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ} وما عطف عليهما على سبيل التفنن في الفصاحة، وقيل: إن اختصاص هذه الصلة بالماضي وتينك بالمضارع أن تينك الصلتين قصد بهما الاستصحاب والالتباس دائمًا، وهذه الصلة قصد بها تقدمها على تينك الصلتين وما عطف عليهما؛ لأن حصول تلك الصلاة إنما هي مترتبة على حصول الصبر وتقدمه عليها؛ ولذلك لم تأت صلة الصبر في القرآن إلا بصيغة الماضي؟ إذ هو شرط في حصول التكاليف وإيقاعها والله أعلم.

{وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} المفروضة؛ أي: داوموا على إقامتها؛ أي: أدوها على ما رسمه الدين من خشوع القلب واجتناب الرياء والخشية لله تعالى مع تمام أركانها


(١) الخازن.
(٢) البحر المحيط.