أنزل عليه {و} الحال أنهم {قد دخلوا} عليكم متلبسين {بِالْكُفْرِ} الضلال مقيمين عليه {وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا} متلبسين {بِهِ}؛ أي: بالكفر والنفاق أيضًا، فحالهم عند خروجهم كحالهم عند دخولهم، لم يتحولوا عن كفرهم بالرسول وما نزل من الحق، ولكنهم قوم دأبهم الخداع والنفاق كما جاء في سورة البقرة:{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} الآية. يعني: إنهم دخلوا كافرين وخرجوا كما دخلوا كافرين لم يتعلق بقلوبهم شيء من الإيمان، فهم كافرون في حالتي الدخول والخروج. {والله} سبحانه وتعالى {أَعْلَمُ}؛ أي: عالم {بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَـ} ـه ويخفونه في قلوبهم حين دخولهم من قصد تسقط الأخبار، والتوسل إلى ذلك النفاق والخداع، وحين خروجهم من الكيد والمكر والكذب الذي يلقونه إلى البعداء من قومهم كما علمت مما سلف عندقوله:{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ}.
وفي قوله:{وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ} تأكيد لكونهم حين الخروج كما هم حين الدخول، واحتيج إليه لمجيئه على خلاف المعروف؛ لأنَّ من كان يجالس الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يسمع منه العلم والحكمة، ويرى من أحاسن أخلاقه ما يؤثر في القلوب ويلين قاسيها .. يرجع عن سوء عقيدته، وتصفو نفسه من كدوراتها؛ إلا إذا كان متعنتًا مخادعًا، فإن الذكرى لا تنفعه والعظات والزواجر لا تؤثر فيه.
وقد كان الرجل يجيء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد قتله حتى إذا رآه سمع كلامه .. انجابت عن قلبه ظلمات الكفر والفسوق، وآمن به وأحبه، وما شذ هؤلاء إلا لسوء نيتهم وفساد طويتهم، وذلك ما صرف قلوبهم عن التذكر والاعتبار، ووجه هممهم إلى الكيد والخداع، فلم يكن لديهم عقول تعي وتفقه مغزى الحكم والآداب.
٦٢ - {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ}؛ أي: وترى يا محمد كثيرًا من هؤلاء اليهود الذين اتخذوا دينك هزوًا ولعبًا {يُسَارِعُونَ} ويبادرون {فِي الْإِثْمِ} والشرك والمعاصي {وَالْعُدْوَانِ} أي الظلم والتعدي على الناس وتجاوز الحدود التي ضربها الله للناس