للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

طيبة، ووعدت مغفرةً ورزقًا كريمًا، وكان مسروق إذا حدث عن عائشة يقول: حدثتني الصديقة بنت الصديق، حبيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، المبرأة من السماء.

وفي "القرطبي": قال (١) بعض أهل التحقيق: إن يوسف عليه السلام، لما رمي بالفاحشة برأه الله على لسان صبي في المهد. وأن مريم لما رميت بالفحشاء برأها الله على لسان ولدها عيسى عليه السلام، وأن عائشة لما رميت بالفاحشة برأها الله بالقول، ما رضي لها براءة صبي ولا نبي حتى برأها الله بكلامه من القذف والبهتان. اهـ.

٢٧ - ولما فرغ سبحانه من ذكر الزجر عن الزنا والقذف شرع في ذكر الزجر عن دخول البيوت بغير استئذان، لما في ذلك من مخالطة الرجال بالنساء. فربما يؤدي إلى أحد الأمرين المذكورين. وأيضًا أن الإنسان يكون في بيته وتكون خلوته على حالة قد لا يحب أن يراه عليها غيره. فنهى الله سبحانه عن دخول بيوت الغير إلى غاية هي قوله: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بالله ورسوله {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا} لستم تملكونها ولا تسكنونها {غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} التي تسكنونها بملك أو إجارة، أو إعارة مثلًا.

ووصف (٢) البيوت بمغايرة بيوتهم خارجة مخرج العادة التي هي سكنى كل أحد في ملكه، وإلا فالمؤجر والمعير لا يدخلان إلا بإذنٍ {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا}؛ أي: حتى تستأذنوا الدخول ممن يملك الإذن من أصحابها، وتستكشفوا الحال هل يراد دخولكم أم لا، وحتى يؤذن لكم. فالدخول بالإذن من الآداب الجميلة والأفعال المرضية المستتبعة لسعادة الدارين، مأخوذ من الاستئناس، بمعنى الاستسلام من آنس الشيء إذا أبصره مكشوفًا فعلم به، فإن المستأذن مستعلم للحال مستكشف أنه هل يؤذن له أو لا. ومن الاستئناس الذي هو خلاف الاستيحاش، لما أن المستأنس مستوحش، خائف أن لا يؤذن له، فإذا أذن له .. استأنس، ولهذا يقال في جواب القادم المستأذن مرحبًا: أهلًا وسهلًا؛ أي:


(١) القرطبي.
(٢) روح البيان.