للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وجدت مكانًا واسعًا وأتيت أهلًا لا أجانب، ونزلت مكانًا سهلًا لا حزنًا ليزول به استيحاشه وتطيب نفسه. فيؤول المعنى إلى أن يؤذن لكم، فهو من باب الكناية، حيث ذكر الاستئناس اللازم وأريد الإذن الملزوم.

{وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}؛ أي: على سكانها عند الاستئذان، بأن يقول الواحد منكم: السلام عليم، أأدخل - ثلاث مرات - فإن أذن له، دخل وسلم ثانيًا، وإلا رجع. كما ورد في الحديث. وقال عطاء: الاستئذان واجب على كل محتلم. والظاهر مطلق الاستئذان، فيكفي فيه المرة الواحدة. وفي الحديث الاستئذان ثلاث يعني كمالُهُ فإن أذِنَ له وإلا فليرجع، ولا يزيد على ثلاث، إلا أن يتحقق أن من في البيت لم يسمع. ذكره في "البحر".

واختلفوا هل (١) يقدم الاستئذان على السلام أو بالعكس. فقيل: يقدم الاستئذان، فيقول: أأدخل، سلام عليكم، لتقديم الاستئناس في الآية على السلام. وقال الأكثرون: يقدم السلام على الاستئذان. فيقول السلام عليكم أأدخل. وهو الحق؛ لأن البيان منه - صلى الله عليه وسلم - للآية كان هكذا. وتقدير الآية: حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا، وهو كذلك في مصحف ابن مسعود. ويكون كل من السلام والاستئذان ثلاث مرات يفصل بين كل مرتين بسكونٍ يسير، فالأول: إعلام، والثاني: للتهيء، والثالث: استئذان في الدخول أو الرجوع. وإذا أتى الباب، لم يستقبله من تلقاء وجهه، بل يجيء من جهة ركنه الأيمن أو الأيسر. وقيل: إن وقع بصره على أحد في البيت، قدم السلام، وإلا قدم الاستئذان ثم يسلم. اهـ. "خازن".

وروى (٢) الشيخان وغيرهما عن جابر بن عبد الله قال: استأذنت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: من هذا؟ فقلت: أنا. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنا أنا. كأنه كره ذلك. قال علماؤنا: إنما كره النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك؛ لأن قوله: أنا لا يحصل به تعريف، وإنما الحكم في ذلك أن يذكر اسمه، كما فعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وأبو


(١) الخازن بتصرف.
(٢) القرطبي.