أحدهما: أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بشرٌ كسائر الأنبياءِ، وهؤلاء قد ماتوا أو قتلوا.
والثاني: أن الحاجة إلى الرسول هي تبليغ الذين، فإذا تَمَّ له ذلك .. فقد حصل الغرض، ولا يلزم من قتله فساد دينه.
وفي الآية هداية وإرشاد إلى أنه لا ينبغي أن يكون استمرار الحرب أو عدم استمرارها، ذا صلة بوجود القائد، بحيث إذا قتل انهزم الجيش، أو استسلم للأعداء بل يجب أن تكون المصالح العامة جاريةً على نظام ثابت، لا يزلزله فقد الرؤساء، وعلى هذا تجري الحكومات، والحروب في عصرنا هذا.
ومن توابع هذا النظام أن تعد الأمة لكل أمرٍ عدته، فتوجد لكل عملٍ رجالًا كثيرين حتى إذا فقدت معلمًا أو مرشدًا أو قائدًا أو حكيمًا أو رئيسًا أو زعيمًا وجدت الكثير ممن يقوم مقامه، ويؤدِّي لها من الخدمة ما كان يؤدِّيه، وحينئذ يتنافس أفرادها، ويحفزون عزائمهم للوصول إلى ما يمكن أن يصل إليه كسب البشر، وينال كلٌّ منه بقدر استعداده وسعيه وتوفيق الله له.
وقرأ الجمهور {الرُّسُلُ} في قوله: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} بالتعريف على سبيل التفخيم للرسل والتنويه بهم على مقتضى حالهم من الله. وفي مصحف عبد الله {رسل} بالتنكير، وبها قرأ ابن عباس وقحطان بن عبد الله. وقرأ الجمهور {عَلَى عَقِبَيْهِ} بالتثنية، وقرأ ابن أبي إسحاق على {عَقِبَهِ} بالإفراد.
١٤٥ - {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ}؛ أي: وليس من شأن النفوس، ولا من سنة الله فيها {أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}؛ أي: إلّا بأمر الله وقضائه وقدره، وعلمه، وإرادته، ومشيئته التي بها يجري نظام الحياة، وترتبط فيها الأسباب بالمسببات.
وذلك أنَّ الله تعالى يأمر ملك الموت بقبض الأرواح، فلا يموت أحدٌ إلا بإذن الله تعالى وأمره، {كِتَابًا مُؤَجَّلًا} منصوب بعامل محذوف تقديره: كتب الله الموت على عباده كتابًا مقرونًا بأجل معين لا يتغير، ومؤقت أبوقت لا يتقدم، ولا يتأخر، فكثيرٌ من الناس يتعرضون لأسباب المنايا بخوض غمرات الحروب أو يتعرضون لعدوى الأمراض، أو يتصدون لأفاعيل الطبيعة، وهم مع ذلك لا يصابون بالأذى، فالشجاع المقدام قد يسلم في الحرب، ويقتل الجبان المتخلف،