ويفتك المرض بالشاب القوي، ويترك الضعيف الهزيل وتغتال عوامل الأجواء الكهل المستوي وتتجاوز الشيخ الضعيف فللأعمار آجالٌ، وللآجال أقدارٌ لا تخطوها. والأقدار هي السنن التي عليها تقوم نظم العالم، وإن خفيت على بعض الناس، وإذا كان محيانا ومماتنا بإذن الله فلا محل للخوف والجبن، ولا عذر في الوهن والضعف. وقيل: الكتاب اللوح المحفوظ؛ لأن فيه آجال جميع الخلق، وفي الآية تحريض المؤمنين على الجهاد، وتشجيعهم على لقاء العدو، فإنه إذا كان الأجل محتومًا ومؤقتًا بميقاتٍ، وأن أحدًا لا يموت قبل بلوغ أجله، وإن خاض المعارك واقتحم المهالك .. فلا فائدة إذًا للخوف والجبن والحذر.
وفي الآية أيضًا إشارة إلى كلاءة الله وحفظه لرسوله - صلى الله عليه وسلم - مع غلبة العدو له والتفافهم عليه، وإسلام أصحابه له فرصةً للمختلس، فلم يبق سببٌ من أسباب الهلاك إلا قد حصل، ولكن لما كان الله حافظًا له لم يضره شيء. وفيها أيضًا: إشارةٌ إلى أن قومه قد قصروا في الذَّبِّ عنه {وَمَنْ يُرِدْ} ويقصد بعمله الصالح {ثَوَابَ الدُّنْيَا}، وحظها ومنفعتها {نُؤْتِهِ مِنْهَا}؛ أي: نعطه من الدنيا ما يكون جزاء لعمله مما نشاء أن نعطيه إياه على ما قدرنا له، {وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ}. نزلت في الذين تركوا المركز يوم أحد، وطلبوا الغنيمة {وَمَنْ يُرِدْ} ويقصد بعمله الصالح {ثَوَابَ الْآخِرَةِ} ونعيمها {نُؤْتِهِ مِنْهَا} نعطه من حظوظ الآخرة، ونعيمها ما يريد مما نشاء من الأضعاف على حسب ما جرى به الوعد الكريم. نزلت في الذين ثبتوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد.
واعلم: أن هذه الآية، وإن نزلت في الجهاد خاصة لكنها عامةٌ في جميع الأعمال؛ وذلك لأنَّ الأصل في ذلك كله يرجع إلى نية العبد، فإن كان يريد بعمله الدنياء. فليس له جزاء إلا فيها، وكذلك من أراد بعمله الدار الآخرة فجزاؤه أيضًا فيها.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"إنما الأعمالُ بالنياتِ". الحديث متفق عليه.
وروى البغوي بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -