للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال: "من كانت نيته طلب الآخرة، جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا راغمة ومن كانت نيته طلب الدنيا، جعل الله الفقر بين عينيه، وشتت عليه أمره ولا يأتيه منها إلا ما كتب الله له".

وذلك (١) لأن المؤثر في جلب الثواب والعقاب الدواعي والقصود، لا ظواهر الأعمال كما في الحديث المذكور، فإن من وضع الجبهة على الأرض مثلًا في صلاة الظهر والشمس قدامه، فإن قصد بذلك السجود عبادة الله تعالى .. كان ذلك من أعظم دعائم الإِسلام، وإن قصد به عبادة الشمس، كان ذلك من أعظم دعائم الكفر {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ}؛ أي: سنثيب الثابتين على شكر نعمة الله تعالى في الدنيا والآخرة، الذين يعرفون أنعم الله عليهم من القوى، ويصرفونها إلى ما خلقوا لأجله من طاعة الله تعالى، ويستعملوها فيما يرقى بهم إلى مراقي الكمال، فيعملون صالح الأعمال التي ترفع نفوسهم، وتنفع أمتهم كأنس بن النضر، وأمثاله الذين جاهدوا، وصبروا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بما كان لهم من الإرادة القوية التي كانت السبب في انجلاء المشركين عن المسلمين.

وقرأ الجمهور (٢) {نُؤْتِهِ} الموضعين بالنون، وكذلك قرؤوا {سَنَجْزِي} بالنون أيضًا، وهو إلتفاتٌ إذ هو خروج من غيبةٍ إلى تكلمٍ بنون العظمة، وقرأ الأعمش {يُؤْتِهِ} بالياء فيهما، وفي {سَيجْزِي} وهو على ما سبق من الغيبة.

وأدغم (٣) أبو عمرو وحمزة والكسائي، وابن عامر، بخلاف عنه دال {يُرِدْ} في الثاء والباقون بالإظهار. وقرأ أبو عمرو بالإسكان في هاء {نُؤْتِهِ} في الموضعين وصلًا ووقفًا، وقالون وهشامٌ بخلاف عنه بالاختلاس وصلًا، والباقون بالإشباع وصلًا. فأما السكون فقالوا: إنَّ الهاء لما حلت محل ذلك المحذوف أعطيت ما كان تستحقه من السكون، وأما الاختلاس فلأستصحاب ما كانت عليه الهاء قبل حذف لام الكلمة، فإن الأصل نؤتيه فحذفت الياء للجزم، ولم يعتد


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الفتوحات.