التفسير بالمأثور روايات كثيرة في شأنه كما ذكرنا في مبحث أسباب النزول، وبالجملة فهذه الروايات الإسرائيلية لا يعتد بها، وليست بحجة في بيانه.
١٧٨ - {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ}؛ أي: من يوفقه الله تعالى لسلوك سبيل الهداية باستعماله عقله وحواسه فيما خلقا له، بمقتضى الفطرة وإرشاد الدين {فَهُوَ الْمُهْتَدِي} الذي شكر نعم الله عليه، وأدى حقه عليه، ففاز بسعادة الدنيا وسعادة الآخرة، وفي (١)«السمين»: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي} راعى لفظ {مَنْ} فأفرد، وراعى معناها في قوله:{فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ} فجمع، وياء {الْمُهْتَدِي} ثابتة عند جميع القراء لثبوتها في الرسم، وسيأتي لك خلاف في التي في الإسراء والكهف، وبحثها، وقال الواحدي:{فَهُوَ الْمُهْتَدِي} يجوز إثبات الياء فيه على الأصل، ويجوز حذفها استخفافا اه.
{وَمَنْ يُضْلِلْ}؛ أي: ومن يخذله ويحرمه التوفيق، فيتبع شيطانه وهواه، ويترك استعمال عقله وحواسه في فقه آياته، وشكر ما أنعم به عليه {فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ}؛ أي: فهو الكفور الضال، الذي خسر سعادة الدنيا وسعادة الآخرة إذ هو قد خسر تلك المواهب التي كان بها إنسانا مستعدا للسعادتين الدنيوية والأخروية؛ أي:{فَأُولئِكَ} الموصوفون بالضلالة {هُمُ الْخاسِرُونَ} أي: الكاملون في الخسران في الدنيا والآخرة، فالهداية والضلالة من جهة الله تعالى، وإنما العظة والتذكير من جهة الوسائط العادية في حصول الاهتداء، من غير تأثير لها فيه سوى كونها دواعي إلى صرف العبد اختياره جهة تحصيله، كسائر أفعال العباد. ولا شك أن الهداية الإلهية نوع واحد وهو الإيمان الذي ثمرته العمل الصالح، أما أنواع الضلال فلا حصر لها، يرشد إلى ذلك قوله تعالى في سورة الأنعام:{وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}
١٧٩ - ثم فصل سبحانه ما أجمله في الآية السالفة مع بيان سببه فقال:{وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ}؛ أي: وعزتي وجلالي لقد خلقنا في العالم {كَثِيرًا مِنَ الْجِنِ